أن هذا الحديث من منكرات عبد الملك بن أبي سليمان، ساقه ابن عدي (الكامل) 5/ 302 –في ترجمته- وهو لا يسوق من الأحاديث في ترجمة الراوي إلا المناكير، والذهبي في (ميزان الاعتدال) 2/ 656.
وقد طواها المصنف وفقه الله، ولم يذكر هذا، وهو يكثر من الرجوع للكامل لابن عدي.
فهل هذا من الإنصاف؟.
فإن قلت: لعله لم يطلع على ذلك.
قلنا: هاك علة أخرى قد اطلع عليها وطواها:
وهو أنه حسّن هذا الإسناد، وهو من رواية أبي الزبير عن جابر، وقد روي بالعنعنة، وقال بعد تحسينه للحديث (إلا أن من يرى أبا الزبير من المدلسين قد يعله بالعنعنة)، وذكره بهذه الصيغة التي تدل على عدم موافقته لأنه ذكر حكمه في المتن وكرره مراراً وهو تحسين الحديث، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أبا الزبير في (طبقات المدلسين) في الطبقة الثالثة، ومع ذلك فقد حسّن المصنف –وفقه الله - هذا الحديث.
فإن قلت: لعل المصنف يخالف ابن حجر في هذه الطبقات ولا يعتمد عليها.
قلنا: لو طرد مذهبه لكان ذاك، ولكن هاك الجواب من كلام الشيخ نفسه:
فإن مخالفيه في مسألة الخضاب بالسواد لما استدلوا بحديث أسماء (وجنبوه السواد)، ضعّف هذا الحديث وكان مما قاله في (الإنصاف) ص109: (ضعيف فيه المحاربي وهو مدلس وقد عنعن) وقال أيضاً في الحاشية: (المحاربي مدلس، وقد ذكره الحافظ في المرتبة الثالثة ممن لا تقبل عنعنته).
فهل من مظاهر الإنصاف:
أن الحديث لما كان في صالحه في الأخذ من اللحية، كانت عنعنة من هم في المرتبة الثالثة مقبولة، تحسّن معها الحديث، ولما كانت في صالح خصمه في تحريم الخضاب بالسواد كانت مردودة؟
المظهر السابع:
تناقض أخذه بقول عطاء بن أبي رباح في نقل الإجماع:
ذكر أثر عطاء بن أبي رباح في الإنصاف ص 54، وهو قوله (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة)، وصحّح الحديث، وجعل ظاهره فعل من شاهد من الصحابة، وأنه على أقل الأحوال فعل التابعين وأن التابعين إنما اخذوا من الصحابة.
بل ولتعزيز هذا القول عدّد مناقب عطاء ليسلم له الاستدلال بكلامه في تعزيز الإنصاف ص37 - 38.
ولما استدل مخالفوه في مسألة الخضاب بالسواد بأثر صحيح عن عطاء بن أبي رباح نفسه (ص129) وفيه أنه سئل عن الخضاب بالوسمة وهو السواد، فقال: (هو مما أحدث الناس، وقد رأيت نفراً من أصحاب رسول الله e ، فما رأيت أحداً منهم يختضب بالوسمة، ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة)، حاول إعلال نقل الإجماع هنا والكلام فيه، مع أن عطاء هنا أسند ذلك للصحابة صراحة، دون أثر الأخذ من اللحية فإنه لم يسنده للصحابة.
فالذين أدركهم عطاء هنا هم نفس الصحابة الذين أدركهم هناك، فإن كان نقله هنا للإجماع ليس صحيحا ً، فكذلك نقله هناك، وإن كان نقله هناك صحيحاً، فكذلك هنا، وإن قدحت بنقله هنا بشيء فإنه يقدح بنقله هناك أيضاً.
فقد قال هناك (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة).
وقال هنا (ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة)، بل وزاد هنا أمرين:
التصريح بأنه محْدث، والتصريح بأن الذين يقصدهم هم الصحابة.
وقد ذكر المصنف وفقه الله- في (تعزيز الإنصاف) ص 37 عن عطاء: أنه أدرك مائتين من الصحابة.
بل وذكر أيضاً في التعزيز –لتعزيز استدلاله بأثر عطاء في الأخذ من اللحية ص37،38: وله الفتيا في مكة –يعني عطاء -، ولم يكن يفتي برأيه، ثم نقل عنه قوله: إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي.
فهل من مظاهر الإنصاف:
أن يكون النقل الثابت عن التابعي الواحد صحيحاً إذا وافق مذهبه في الأخذ من اللحية، ومدخولاً إذا خالف مذهبه في الخضاب بالسواد؟.
وهل يكون قوله الموافق ليس إفتاء برأيه، وقوله المخالف إفتاء برأيه؟.
المظهر الثامن
تناقض قوله في نسكيّة الأخذ من اللحية
ذكر الشيخ في التعزيز ص 42 قوله: (اللحية لا تعلق بها بالنسك، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم النسك من قوله، ومن فعله، وقال: خذوا عني مناسككم، ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان النسك أن اللحية لها تعلق خاص بالنسك).
فقد صرّح الشيخ هنا – بنفسه- أن اللحية لا تعلق بها بالنسك، وصرّح بأن هذا لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
¥