تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والتزمت حدود الله، فقد بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كانوا يعلمون في مهن شتّى، ولم يطلب من أحدهم أن يدعَ مهنتَه ليتفرغ للدعوة، وبقي كلٌّ منهم في عمله وحرفته سواء قبل الهجرة أو بعدها، ولقد أنكر الإمام أبو حامد الغزالي على أهل زمانه توجه جمهور متعلّميهم إلى الفقه ونحوه، على حين لايوجد في بلد من بلدان المسلمين إلا طبيب يهوديّ أو نصرانيّ يوكل إليه علاجُ المسلمين والمسلمات وتوضَع بين يديه الأرواح والعورات.

ولهذا ولذاك أسبابٌ أهمُّها على الإطلاق، هو فصل العلم والعمل عن الدين، وقبل المضي في الإفاضة فيه، سنذكر لمحةً تاريخيةً عن بداية الفصل بين العلم والدين، حيث تعود هذه المشكلةُ والتي نسير على خطها اليوم إلى مرحلةٍ حاسمةٍ في التاريخ الثقافي الغربي، وهي مرحلةُ التحوّل الفكريّ والثقافي وقيام المذاهب الوضعية وسقوط المذاهب الفلسفية والميتافيزيقية واللاهوتية، وقد اعتبر ارتباط العلم بالأخلاق والقيم من مخلفات القرون الوسطى، والذي نسجّله ابتداءً أن مشكلة التعارض المفترض بين مجال القيم ومجال العلم، مشكلةٌ مفتعلةٌ أفرزتْها ظروف شاذّة، تمثّلت في الصراع القاسي الذي عرفتْه الساحةُ الأوربية بين قطب "موغل" في المثالية الدينية المشوّهة والمثالية العقلية المتطرّفة وبين قطب "موغل" في الحس لايعترف بوجود حقيقة علمية خارج دائرة الحس، وينادي علماء الغرب بأنه على الباحث أن يتخلّى عن كل القيم والأفكار التي يعتنقها، وكل التزام قيميٍّ يُعتبر خروجًا عن المنهج العلمي، ومن المؤسف أن هذه القناعة المنهجية التي نادى بها علماءُ الاجتماع في الغرب، وجدت طريقَها إلى عالمنا الإسلامي، وتسرّبت إلى القائمين بالتدريس، وذلك من موقع التقليد والتبعية لما هو سائد في الغرب. وقد اُبْتُلِيَت الأمةُ الإسلامية بذهاب رجالها إلى جامعات "أوربا" و"أمريكا" للحصول على الدرجات العلميّة في العقيدة والمواد الشرعيّة؛ بل وعلوم اللغة ممن لا يدينون بها، حتى أن أربعةً من مشايخ الأزهر يحصلون على شهاداتهم العلميّة من جامعة "السوربون" بفرنسا، بالإضافة إلى العديد من قيادات الفكر وأصحاب الرأي في العالم الإسلامي المعاصر، خاصةً المتحكّمون منهم في العملية التربوية حيث تربوا وترعرعوا في محاضن الغرب أو الشرق العلميّة، وأصبحوا لايرون إمكانيةً للخروج من أزمتنا إلا بالانصهار في بوتقة الشرق أو الغرب، وعلى الرغم من ذلك فإن الباحث الغربي ظلّ في كل ما يكتب معبّرًا عن القيم الغربية وملتزمًا بها، ومن العبث أن نقول إن أبحاثهم كانت محايدةً وتتجرد من مقاييسهم ومعايريهم الأخلاقية، وأكبر دليل على إخضاع العلوم للقيم الأخلاقية والنظريات الفلسفية، كُتُبُ الشرق والغرب التي تتحدث عن العلوم، إما من وجهة نظر اشتراكيّة أو شيوعيّة أو رأسماليّة؛ ففي الغرب تظهر الماديّة في شتى العلوم؛ فهم يفسرون الأخلاق تفسيرًا مادّيًا، وينشرون الفلسفة النفعية، وأن رجال السياسة لابد أن يتخلّقوا بأخلاق الثعالب، ولا يحتشموا من الكذب والخيانة ونقض العهد، وظهر "ماركس" ليصنع النظرية الاقتصادية المادية والفكر الاشتراكي الشيوعي، و"فرويد" يصيغ النفس المادية برغباتها وأحلامها، و"دراوين" ليضع نظرية التطوّر وأصل المخلوقات بعيدًا عن الدين، وأصبح ذلك كله علومًا تُدَرَّسُ في الجامعات، ولم يعد الأمرُ يقتصر على تجاهل القيم الأخلاقية واستبعادها من مجال الدراسة؛ بل إنّ هذا الفصل بين القيم والعلم أدّى إلى تبرير الفشل الحاليّ لمجتمعاتنا الإسلامية بسبب القيم السائدة فيها؛ ولكننا إذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى نجد أنّ انكماش الحضارة العربية الإسلامية في العصر الحديث، هو الذي أفسح المجال للمدّ الأوربي المتزايد، ومن هنا ظهرتْ على الساحة الأدبية مثلاً مصطلحاتٌ تعبّر عن هذا الموضوع القائم مثل الأدب الإنجليزي والأدب الفرنسيّ والأدب الوجودي والأدب الماركسي، وفي هذا الوقت أخذ الأدب الإسلامي كمصطلحٍ يختفي عن الساحة، ولم يعد محلَّ تساؤلٍ فحسب؛ بل أصبح يُقابل بالنفور والرفض ووصفه بالرجعية والتخلّف، وحين بدأت جامعاتُنا تدرس العصور الأدبية لجأت إلى مصلطح الأدب العربي بدلاً من الأدب الإسلامي، وأصبحت المناهجُ الجامعية والمدرسية تدرس الأديب العربي في العصر الجاهلي وفي العصر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير