والذي أريد أن أسأله للأخ ظافر من أين استقيت هذه الأحكام عن التعزية؟ أعني قولك عنها: سنة مشروعة، أو مقصد شرعي، وعبادة من العبادات، ومن حق المسلم على أخيه المسلم؟؟؟؟؟؟؟؟ حبّذا لو تدلني على مراجعك العلمية لأستفيد منها.
• والذي فاجأني أيضاً قوله: وإن من المسائل التي كثر الكلام عليها بين أهل العلم مسألة الجلوس للتعزية، وخاصة في هذا الزمن، بل قد سمعت من بعضهم من يقول بأن الجلوس للتعزية بدعة منكرة، انتهى
فكلامه يوحي أنها مسألة جديدة في زمننا وأنّ القول ببدعيّتها محدث وجديد. مع أننا نعلم أن العلماء من لدن الصحابة إلى زمننا يصفون التصدي للعزاء بأنه بدعة منكرة، وقد ذكر الأخ ظافر بعض كلامهم في رسالته، فلماذا نسيه؟
ثمّ عاد ففاجأني بقوله: اختلف العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ في مسألة الجلوس للتعزية على قولين: ............ انتهى
فأوحى للقارئ أنّ المسألة فيها خلاف بين العلماء أو المذاهب قديماً. واستدلّ لكلامه فقال:
1ـ نُقل عن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الرخصة في ذلك، فقد نَقل ابن مفلح (ت 884هـ)، والمرداوي (ت885هـ) ـ رحمهما الله تعالى ـ عنه (الرخصة لأهل الميت، نقله حنبل واختاره المجد؛ وورد عنه أيضاً الرخصة لأهل الميت ولغيرهم، وقال بكراهته إذا كان فيه تهيج للحزن) (2).
2ـ وقال ابن قدامة (ت620هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت، يبعث به إليهم، إعانة لهم، وجبرا لقلوبهم؛ فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم).
فقول ابن قدامة: (وبمن يأتي إليهم) فيه دليل على أن الاجتماع للعزاء هو قوله. ا. ه
والكلام الذي نقله عن الإمام أحمد غير واضح و لا مفهوم والمعروف عنه خلافه وهو المنصوص عليه في كل كتب الحنابلة.
قال المرداوي الحنبلي: (ويكره الجلوس لها، هذا المذهب وعليه أكثر أصحابنا ونص عليه، قال في الفروع: اختاره الأكثر، قال في مجمع البحرين: هذا اختيار أصحابنا)،
والذي أريد أن أسأله للأخ ظافر: إذا كان ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني يفتي بكراهة الجلوس للعزاء ولم ينقل قولاً مخالفاً لا في مذهبه ولا في غيره، فكيف يصح أن تنسب إليه القول بالجواز؟!
والواضح في النص الذي نقلته عن ابن قدامة أنه يتكلّم عن صنع الطعام لأهل الميت وأنه مستحب، ولكنكَ فهمت من قوله: فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم)
أنه يقول بالجواز، وهذا الفهم بعيد، لأنّك حمّلت الكلام أكثر مما يحتمل ونسبتَ للرجل خلاف قوله ثم قلتَ: اختلف العلماء؟؟؟
• حبذا يا أخ ظافر أن تدلنا على أسماء العلماء الأوائل الذين صرّحوا بجواز الجلوس للعزاء، لكي نضعهم في مقابلة العلماء الآخرين وننظر في أدلة كل طرف.
ـ ثمّ يتابع الأخ ظافر فيقول واستدلّوا لهذا القول بأدلة منها:
الدليل الأول:
حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الصحيحين: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن ـ إلا أهلها وخاصتها ـ أمرت ببُرْمَةٍ من تَلبينة فطبِخَت, ثمّ صنع ثريدٌ فصُبّتِ التّلْبينَةُ عليها ثم قالت: كلنَ منها, فإِنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التّلبينة مَجمّةٌ لفؤاد المريض, تَذهبُ ببعضِ الحُزْن" (1).
فهذا الحديث فيه الدلالة على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً، لا اجتماع أهل الميت، ولا اجتماع غيرهم معهم، ففي الحديث "أنها كانت إذا مات الميت " فهذا يدل على أنها كانت عادة عندهم، إذا مات الميت اجتمع لذلك أهل الميت، وفي الحديث "ثم يتفرقون" ولا يتفرقون إلا بعد اجتماع، ويبقى أهلها وخاصتها، مما يدل على أن غيرهم كان معهم ثم ذهب، كما أن أهل الميت يصنعون لأنفسهم طعاماً، فهو من صنعة الطعام. انتهى
• وهنا أعود فأسأل الأخ ظافر من هو الإمام الذي استدل بهذا الحديث؟؟
ـ أمّا البخاري فقد استدل به في باب الأطعمة وفي باب الطب، ولم يستدل به في باب العزاء!!
وأما الإمام مسلم فقد استدل به في باب السلام. وقال شارحه: وإنما كانت عائشة رضي الله عنها تصنع ذلك لأهل الميت لأنهم شغلهم الحزن عن الغذاء فيشتد عليهم حرارة الجوع والحزن فإذا أكلوا ذلك سكنت عنهم تلك الحرارة. انتهى
¥