وعن معاوية –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة). [أخرجه أبو داود برقم:4597 وابن ماجة من حديث عوف بن مالك برقم:3993 وغيرهما وقد اجمعت الأمة على صحته).
فقد جعل صلى الله عليه وسلم الطائفة المنصورة الناجية في مقابل الفرق الهالكة قليل.
قال ابن مسعود –رضي الله عنهما-: " الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك ".
وعن الفضيل بن عياض: ' اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين واياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين'.
قال أبو شامة –رحمه الله- (الباعث على إنكار البدع والحوادث ص: 22): " وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة؛ فالمراد به لزوم الحق وإتباعه وإن كان المتمسك به قليلاً والمخالف كثيراً؛ لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابة رضي الله عنهم ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- (الفتاوى ص: 298 - 299 جـ 18): "
وفي السنن: (إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها). والتجديد إنما يكون بعد الدروس، وذاك هو غربة الإسلام.
وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من يعرف حقيقة الإسلام، ولا يضيق صدره بذلك، ولا يكون في شك من دين الإسلام، كما كان الأمر حين بدأ. قال تعالى: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إليكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ) [يونس: 94]، إلى غير ذلك من الآيات والبراهين الدالة على صحة الإسلام.
وكذلك إذا تغرب يحتاج صاحبه من الأدلة والبراهين إلى نظير ما احتاج إليه في أول الأمر. وقد قال له: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إليكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ) [يونس:94]، وقال تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44].
وقد تكون الغربة في بعض شرائعه، وقد يكون ذلك في بعض الأمكنة. ففي كثير من الأمكنة يخفي عليهم من شرائعه ما يصير به غريبًا بينهم، لا يعرفه منهم إلا الواحد بعد الواحد.
ومع هذا، فطوبي لمن تمسك بتلك الشريعة كما أمر الله ورسوله، فإن إظهاره، والأمر به، والإنكار على من خالفه هو بحسب القوة والأعوان. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. ليس وراء ذلك من الإيمان حَبَّة خَرْدَل "." اهـ
قال الإمام الشاطبي – رحمه الله- (" الاعتصام " 01/ 11 - 12): " وهذه سنة الله في الخلق: أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل لقوله تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) [سورة يوسف الآية 103] وقوله: (وقليل من عبادي الشكور) [سورة سبأ الآية 13] ولينجز الله ما وعد به نبيه صلى الله عليه وسلم من عود وصف الغربة إليه فإن الغربة لا تكون إلا مع فقد الأهل أو قلتهم وذلك حين يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا وتصير السنة بدعة والبدعة سنة ... " اهـ
قال ابن القيم –رحمه الله- (زاد المعاد 181/ 3): " ولما رأى المنافقون ومَن فى قلبه مرض قِلَّة حزبِ الله وكثرةَ أعدائه، ظنُّوا أن الغلبة إنما هى بالكثرة، وقالوا: (غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ) [الأنفال: 49]، فأخبر سبحانه أن النصر بالتوكل عليه لا بالكثرة، ولا بالعدد، والله عزيز لا يُغالَب، حكيم ينصر مَن يستحق النصر، وإن كان ضعيفاً، فعزتُه وحكمتُه أوجبت نصرَ الفئةِ المتوكِّلَةِ عليه. "
قال أيضا –رحمه الله- في نونيته (ص:16 - 17):
واصدع بما قال الرسول ولا تخف ... من قلة الأنصار و الأعوان
فالله ناصر دينه وكتابه ... والله كاف عبده بأمان
إلى أن قال:
لاتخش كثرتهم فهم همج الورى ... وذبابه أتخاف من ذبان
¥