وذهب الشافعي إلى أن القضاء على التراخي، كقضاء صيام رمضان، وليس الصوم كالصلاة عندهم، فإن الصيام لا يجوز تأخيره حتى يدخل نظيره من العام القابل والصلاة عندهم بخلاف ذلك.
واستدلوا – أيضا-: بتأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حتى خرج من الوادي.
وفيه نظر؛ فإن ذلك تأخير يسير لمصلحة تتعلق بالصلاة، وهو التباعد عن موضع يكره الصلاة فيه.
وقد روي عن سمرة بن جندب، فيمن عليه صلوات فائتة، أنه يصلي مع كل صلاة صلاة.
وقد روي عنه- مرفوعاً.
خرجه البزار بإسناد ضعيف.
ولأصحاب الشافعي فيما إذا كان الفوائت بغير عذر في وجوب القضاء على الفور وجهان.
وحمل الخطأبي قوله: (لا كفارة لها إلا ذلك) على وجهين:
أحدهما: أن المعنى أنه لا يجوز له تركها إلى بدل، ولا يكفرها غير قضائها.
والثاني: أن المعنى أنه لا يلزمه في نسيانها كفارة ولا غرامة. قال: إنما عليه أن يصلي ما فاته.
وقد روي عن أبي هريرة – مرفوعاً-: (من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها).
خرجه الطبراني والدارقطني والبيهقي من رواية حفص بن أبي العطاف.
واختلف عليه في إسناده إلى أبي هريرة.
وحفص هذا، قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال يحيى بن يحيى: كذاب.
فلا يلتفت إلى ما تفرد به.
وأماتلاوته قوله تعالى: {?وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}
وقد رواه قتادة – مرة -، فقال: {للذِكْرِى} ومرة، قال: {لِذِكْرِي}، كما هي القراءة المتواترة.
وكان الزهري- أيضا- يقرؤها: {للذِكْرِى}.
وهذه القراءة أظهر في الدلالة على الفور؟ لأن المعنى: أدَّ الصلاة حين الذكرى، والمعنى: أنه يصلي الصلاة إذا ذكرها.
وبذلك فسرها أبو العالية والشعبي والنخعي.
وقال مجاهد: {?َأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}: أي تذكرني. قال: فإذا صلى عبد ذكر ربه.
ومعنى قوله: أن قوله: {?َأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} - أي: لأجل ذكري بها.
والصلاة إنما فرضت ليذكر الله بها، كما في حديث عائشة المرفوع: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله).
خرجه الترمذي وأبو داود.
فأوجب الله على خلقه كل يوم وليلة أن يذكروه خمس مرار بالصلاة المكتوبة، فمن ترك شيئاً من ذكر الله الواجب عليه سهواً فليعد إليه إذا ذكره، كما قال تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: 24]، فقد أمره إذا نسي ربه أن يذكره بعد ذلك، فمن نسي الصلاة فقد نسي ذكر ربه، فإذا ذكر أنه نسي فليعد إلى ذكر ربه بعد نسيانه.
وأماترك الصلاة متعمداً، فذهب أكثر العلماء إلى لزوم القضاء له، ومنهم من يحكيه إجماعاً.
واستدل بعضهم بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقضوا الله الذي له، فالله أحق بالقضاء).
واستدل بعضهم: بأنه إذا أمر المعذور بالنوم والنسيان بالقضاء، فغير المعذور أولى.
وفي هذا الاستدلال نظر؛ فإن المعذور إنما أمره بالقضاء لأنه جعل قضاءه كفارة له، والعامد ليس القضاء كفارة له؛ فإنه عاص تلزمه التوبة من ذنبه بالاتفاق.
ولهذا قال الأكثرون: لا كفارة على قاتل العمد، ولا على من حلف يميناً متعمداً فيها الكذب؛ لأن الكفارة لا تمحو ذنب هذا.
وأيضا؛ فإذا قيل: إن القضاء إنما يجب بأمر جديد، وهو ألزم لكل من يقول بالمفهوم، فلا دليل على إلزام بالقضاء؛ فإنه ليس لنا أمر جديد يقتضي أمره بالقضاء، كالنائم والناسي.
واستدل بعضهم للزوم العامد القضاء: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في رمضان عمداً بالقضاء.
كما خرجه أبو داود.
وهو حديث في إسناده مقال؛ تفرد به من لا يوثق بحفظه وإتقانه.
وأيضا؛ فيفرق بين من ترك الصلاة والصيام، ومن دخل فيهما ثم أفسدهما.
فالثاني عليه القضاء، كمن أفسد حجه، والأول كمن وجب عليه الحج ولم يحج، وإنما أمره أن يحج بعد ذلك؛ لأن الحج فريضة العمر.
ومذهب الظاهرية – أو أكثرهم: أنه لا قضاء على المتعمد.
وحكي عن عبد الرحمن صاحب الشافعي بالعراق، وعن ابن بنت الشافعي. وهو قول أبي بكر الحميدي في الصوم والصلاة إذا تركهما عمداً، أنه لا يجزئه قضاؤهما.
ذكره في عقيدته في آخر (مسنده).
ووقع مثله في كلام طائفة من أصحابنا المتقدمين، منهم: الجوزجاني وأبو محمد البربهاري وابن بطة.
قال ابن بطة: أعلم أن للصلاة أوقاتاً، فمن قدمها على وقتها فلا فرض له من عذر وغيره، ومن اخرها عن وقتها مختاراً لذلك من غير عذر، فلا فرض له.
¥