الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و ضحبه و من اتبع هداه أما بعد:
سأحاول أن أجيبك على ما استشكلته بحسب الإستطاعة و العلم فأقول:
1_ لا تعارض بين المعرفة هنا و بين المعرفة في الحديث لماذا؟:
1_ لأن الإشكال عندك ينبني على حد أي على تعريف المعرفة و هو حد عند المناطقة و لا يمكن أن ننزل حدود المسائل الشرعية و نبنيها على اصطلاحات المناطقة و الأمر في تعريف المعرفة عند المناطقة أنفسهم واسع فهو يراد به العلم و قد يراد به العلم المسبوق بجهل و سبب استشكالك أخي الحبيب أنك أردت فهم المسألة فاضطررت إلى فهمها بما تشهده أمامك في الواقع و في الملكوت فأنت تصوّرت المعرفة و التصور هذا لابد أن ينبني على مقدمات و تلك المقدمات رأيتها في عالم المخلوقات و الكلام في الحديث عن الخالق سبحانه و تعالى فلا وجه للإستشكال إذا استحضرت في نفسك لفهم المسألة أن الله تعالى لا يشابه خلقه فيما يتصف به و فيما يخبر به عن نفسه و يخبر به عنه رسوله صلى الله عليه و سلم ثم عندك مسلمة عامة و هي أن الله علمه غير مسبوق بجهل فهذه استصحبها عند إرادة فهم هذه المسائل بمعنى أنك تستحضر دائما لفهم مثل هذه المشكلات الأصل العام و هو أن الله تعالى علمه غير مسبوق بجهل حتى لا يحصل لك التعارض و متى ما نسيت و ذهب عن بالك هذا الأصل فإنك ستتيه في بحر التعارض الذي يتضح عدمه عند التأمل أرجو أن لا أكون أثقلت عليك أخي بمثل هذا الأسلوب و سأحاول تصوير المسألة لك عمليا:
أردت فهم معنى الحديث: " تعرّف على الله في الرخاء يعرفك " قل في نفسك: هناك أصل عام و هو أن الله لا يوصف بالجهل و أنا فهمت من المعرفة أنها علم مسبوق بجهل و لكن سبحان الله هذا يتعارض مع وصف الله تعالى إذن أقول: هل يمكن أن يريد النبي صلى الله عليه و سلم بالمعرفة المعنى الذي ذكره المناطقة فستجيب عن نفسك بقولك: أبدا لا يمكن لأن الله تعالى موصوف بعلم أزلي فلابد حينها أن يكون مراد النبي صلى الله عليه معنى آخر للمعرفة غير المعرفة التي عند البشر فلا يمكن أن تتعارض عندي حينئذ ما جاء في الأدلة لأن الشيخ عرف المعرفة باعتبار عام يشمل المخلوق لا الخالق و الحديث جاء في معرفة الخالق فافترقا.
2_ الحديث له معنى و هو باعتبار المقابلة كما ذكر الشيخ: فالله تعالى يعرف العبد إن عرفه العبد شرح الشيخ ذلك في الأربعين النووية فقال: من جهة الصفات هذا بحثه ما معناه معرفة الله للعبد في الشدة، قال العلماء: هذه معناها المعية، ومعرفة الله -جل وعلا- للعبد في الشدة يعني أن يكون معه بمعية النصر والتأييد والتوفيق وأشباه ذلك.
الإشكال الثاني: لأن العبادة ما أُمر به من غير اقتضاء عقلي ولا اطراد عرفي:
هذا تعريف الأصوليين للعبادة و أنا في الواقع فهمت وجه استشكالك أخي و قبل إيضاحه أخبرك: بأن هذا دليل فهمك و لقد حصلت لي مثل الإستشكالات في بداية الطلب ثم لن تلبث أن تضحك على نفسك إذا بدأت في السير بالتدرج عند تذكرك للمسألة و ستجد نفسك قائلا: كيف أستشكل أنا هذه المسألة و هو أمر مجرب و لكنها جادة العلم و التحصيل تجعلك تمشي على هذا المنوال و بعد:
يريد الأصوليون بهذا التعريف تعريف العبادة بإخراج محترزاتها عنها: فمعنى قولهم عن العبادة أنها ما أمر به من غير اقتضاء عقلي: أي لم يدل عليها العقل فلم يؤمر بها لأن العقل دل عليها و لا اطراد عرفي: أي: لم يدل عليها العرف أي لم نعلم بأنها عبادة لأن الناس تعارفوا عليها
و جواب أخينا الأثري كان مسددا و لعله يكفيك:
معنى الاقتضاء العقلي الشيء الذي يحكم العقل بوجوده مثلا حمل المرأة دليل على الوطء! فهل العبادة بصفتها اقتضى العقل و جودها (الظهر أربع ركعات) مثلا، الاطراد العرفي هو الشيء الذي جرى العرف بمثله كأن يتجمل الرجل في يوم عرسه كذلك المرأة أو غيره من الأمور التي جرى بها العرف بينما الوضع ليس كذلك بالنسبة للعبادة فلم يجري العرف على أن تصلى الفجر في وقتها! التي هي فيه الآن قبل مبعث النبي صلى الله عليه و سلم.
الإشكال الثالث:
لا تعارض بين كون النذر عبادة و بين كونه مكروها لماذا؟:
أولا الإشكال في النذر المقيد بمقابل أما النذر المطلق فلا كراهة فيه مع أن أهل العلم يقولون: الأولى تركه لما قد يقع فيه المكلف من الحرج إن لم يوف أما النذر المقيّد فهو نذر أي عبادة لكن مكروه و لا إشكال في هذا لأن مورد الكراهة يختلف عن مورد كون هذا النذر عبادة فهو بالنظر إلى أصله محبوب لأن النبي صلى الله عليه و سلم سمّاه نذرا و النذر عبادة و لكن بالنظر إلى تعلّقه بمقابل مكروه و نفي النبي صلى الله عليه و سلم الخير عن النذر إنما هو بالنظر إلى كونه بمقابل لا إلى كونه نذرا فالنذر عبادة فاختلفت الجهتان و إذا انفكت الجهة فلا تعارض و بالله التوفيق و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين.