وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق لـ " المجمع " في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره؛ وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة.
التورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل، تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضاً حقيقيّاً، وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حالٍّ لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه، وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانياً: يوصي " مجلس المجمع " جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى.
كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا: فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى بتصرف يسير.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان - وفقه الله -:
مسببات القول بعدم جواز التورق المصرفي المنظم:
1. الربا.
2. (وهو في معنى ما قبله) أن المستورق لا يقصد السلعة، وإنما يقصد النقد، والبيع الحاصل بيع صوري، فتؤول المسألة إلى نقود حالَّة بنقود مؤجلة أكثر منها.
ومما يدل على صورية البيع:
أن البنك لا يقبض السلع الدولية قبضاً حقيقيّاً، ولا يقبض الإيصالات الأصلية للمخازن التي تودع فيها هذه السلع، وهي التي تتداول في البورصة، وتنتقل من يد إلى يد تنتهي إلى مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه.
والشأن في المستورق أشد؛ فهو لا يقبض السلعة قبضاً حقيقيّاً ولا حكميّاً، ومن ثم فهو يبيع ما لم يقبض، بل ما لم يُعيَّن؛ لأن ما يبيعه البنك على العميل جزء مما تملكه البنك مما هو محدد برقم الصنف، وهذا الرقم لا يكون للأجزاء الصغيرة، ولكنه رقم للوحدة الكبيرة التي يجزؤها البنك على المتورقين.
3. أن التوكيل للبنك في التورق المنظم ينافي مقتضى عقد الوكالة؛ لأن ما يعمله البنك باعتباره وكيلاً ينافي مصلحة المستورق، فهو يبيع السلعة بثمن أقل من الثمن الذي اشترى به المستورق (والعقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشُرط فيه ما ينافي ذلك المقصود: فقد جمع بين المتناقضين؛ بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء، ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق)، وانضمام الوكالة إلى التورق شرط وإن لم يصرح به؛ فإنه لولا هذه الوكالة لما قبل المستورق بالشراء من البنك ابتداء.
4. ضمان المشتري النهائي: فيتفق البنك مع طرف مستقل يلتزم بشراء السلع التي يتوسط فيها، وهذا الالتزام ضمان للسعر المباع ألا يتجاوز حدوداً معينة؛ حماية من تقلب الأسعار، ويقابل هذا الضمان التزام البنك بالبيع عليه، بمعنى أنه لا يحق للبنك أن يبيع السلع في السوق حتى ولو ارتفع سعرها المتفق عليه مع المشتري الثاني، وبذلك يكون هذا الضمان من الطرفين: من البنك بالبيع على المشتري الثاني، ومن المشتري بالشراء بالثمن المحدد.
5. مخالفة التورق المنظم للتورق الذي أجازه جمهور الفقهاء، وهذه المخالفة من وجوه منها:
أ. أن البنك يتولى بيع السلعة التي اشتريت منه لمن يشاء، في حين أن المستورق هو الذي يتولى البيع في التورق الفردي، وليس للبائع الأول علاقة ببيع السلعة ولا بالمشتري النهائي.
ب. وجود اتفاق سابق بين البنك والمشتري النهائي يتضمن شراء ما يعرضه البنك من سلع بالثمن الذي اشتراها به المصرف كما تقدم، أما في التورق الفردي فالمستورق هو الذي يبيع سلعته بمثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل أو أكثر.
6. أن التورق المنظم يدخل في بيع العينة المحرم؛ لأن البنك هو مصدر السيولة للمستورق في الحالتين، فالنقد يحصل عن طريقه وبواسطته، ولولا علم المشتري بأن البنك سيوفر له النقد الحاضر لاحقاً لما أقبل على هذا العمل ابتداء.
¥