ولكن ليس المراد من ذلك أن نسجد في سورة السجدة، فإن يوم الجمعة لا يختص بسجدة زائدة، ولكن السجدة تأتي داخل السورة، فنسجد لوجودها، أما المراد من قراءتهما في يوم الجمعة فهو العظة والتذكار، لما فيهما من حديث عن يوم القيامة، وخلق آدم عليه السلام، وجزاء أهل الجنة الأبرار، وعذاب أهل النار الأشرار.
ولذلك سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل المطلوب السجدة فيجزىء بعض السورة، والسجدة في غيرها، أم المطلوب السورة؟ فأجاب بقوله: الحمد لله، بل المقصود قراءة السورتين: آلم تنزيل و هل أتى على الإنسان لما فيهما من ذكر خلق آدم، وقيام الساعة، وما يتبع ذلك، فإنه كان يوم الجمعة، وليس المقصود السجدة، فلو قصد الرجل قراءة سورة سجدة أخرى كره ذلك.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورتين كلتيهما فالسنة قراءتهما بكمالهما.
ولا ينبغي المداومة على ذلك، لئلا يظن الجاهل أن ذلك واجب، بل يقرأ أحيانا غيرهما من القرآن، والشافعي، وأحمد اللذان يستحبان قراءتهما. وأما مالك، وأبو حنيفة فعندهما يكره قصد قراءتهما.
ونقل صاحب المغني عن الإمام أحمد قوله: ولا أحب أن يداوم عليها لئلا يظن الناس أنها مفضلة بسجدة.
قال أبو شامة: والعجب من مواظبة أكثر أئمة المساجد على قراءة السجدة في صبح كل جمعة، ولا تكاد ترى أحدا من الخطباء في هذه البلاد، يقرأ سورة ق في خطبة يوم الجمعة، مع أن في صحيح مسلم عن أم هشام بنت الحارث قالت: ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس انتهى.
هل للجمعة سنة قبلية
عندما نيحث عن حكم هذه المسألة في كتب الفقه نجد أنه لا أصل لسنة الجمعة، بل المعروف والمتواتر هو أن يقوم المؤذن بالأذان، ثم يتبعه الإمام بخطبته، بلا فاصل من الوقت لصلاة: فعندما نتأمل أقوال بعض أهل العلم في هذا الأمر نجد أن الجمعة لا سنة قبلية لها. يقول الحافظ العراقي رحمه الله: (لم ينقل عن النبي صلى النبي عليه وسلم أنه كان يصلي قبل الجمعة، لأنه كان يخرج إليها، فيؤذن بين يديه، ثم يخطب).
ومن قبله قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (من ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهوا أجهل الناس بالسنة).
ومن قبلهم قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدرة بعدد، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئا لا بقوله، ولا بفعله، وهذا مذهب مالك والشافعي، وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد).
بل إن شيخ الإسلام - رحمه الله - يقرر أمرا هاما، وهو أنه يترك الأمر، الذي يظن العوام أنه فرض، وهو ليس كذلك، أو سنة راتبة، وهو ليس كذلك، حتى يعلموا حقيقة الأمر، ومدى مشروعيته من غيرها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وحينئذ يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يظنون أن هذه سنة راتبة، أو أنها واجبة، فتترك حتى يعرف الناس أنها ليست سنة راتبة، ولا واجبة، لا سيما إذا داوم الناس عليها، فينبغي تركها أحيانا حتى لا تشبه الفرض، كما استحب أكثر العلماء أن لا يداوم على قراءة السجدة يوم الجمعة، مع أنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، فإذا كان يكره المداومة على ذلك، فترك المداومة على ما لم يسنه النبي صلى الله عليه وسلم أولى).
وقال الشيخ الإمام أبو شامة رحمه الله:
والدليل: على أنه لا سنة لها قبلها أن المراد من قولنا الصلاة المسنونة أنها منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا، وفعلا، والصلاة قبل الجمعة لم يأت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه سنة، ولا يجوز القياس في شرعية الصلوات، أما بعد الجمعة فقد نقل في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، وقال: (من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا). انتهى
خلف من تصلى الجمعة
قال ابن قدامة الحنبلي: وتجب الجمعة والسعي إليها سواء كان من يقيمها سنياً، أو مبتدعاً، أو عدلا، أو فاسقا، نص عليه أحمد.
¥