والمعذور هو كل صاحب عذر يقبله الشرع، ويختلف العذر من واحد إلى أخر، ولكن في نطاق الشرع الحنيف.
فكل هؤلاء الذين ذكرنا أحوالهم لا جمعة عليهم، وإنما يجب عليهم أن يصلوا الظهر، ومن صلى منهم الجمعة كفته، وسقطت عنه فريضة الظهر.
العدد الذي تصح به الجمعة
قال العلامة المحقق صديق خان: صلاة الجماعة قد صحت بواحد مع الإمام، وصلاة الجمعة هي صلاة من الصلوات، فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة، فعليه الدليل، ولا دليل، والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلى خمسة عشر قولا، ليس على شيء منها دليل يستدل به قط، إلا قول من قال: إنها تنعقد أي جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعة، وكيف والشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه، فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلا، فضلا عن أن يكون دليلا على الشرطية مجازفة بالغة، وجرأة على التقول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى شريعته.
أخي المسلم هذا الذي قاله العلامة صديق خان هو ما يراه، ومع ذلك نسوق الآراء الأخرى، مع ذكر صاحب كل قول، والترجيح الذي ارتآه كثير من العلماء كالحافظ بن حجر والسيوطي وغيرهما في العصر الحديث كالشوكاني والألباني. أحدهما أنها تنعقد باثنين أحدهما الإمام كالجماعة وهو قول النخعي، والحسن بن حي، وداود.
الثاني: ثلاثة أحدهم الإمام قال: في شرح المهذب حكى عن الأوزاعي، وأبي ثور، وقال غيره: هو مذهب أبي يوسف، ومحمد، حكاه الرافعي وغيره عن القديم.
الثالث: أربعة أحدهم الإمام، وبه قال أبو حنيفة، والثورى، والليث.
الرابع: سبعة حكى عن عكرمة.
الخامس: تسعة حكى عن ربيعة.
السادس: اثنا عشر، في رواية عن ربيعة، حكاه عنه المتولي في التتمة، والماوردي في الحاوي، وحكاه عن الزهري، والأوزاعي، ومحمد بن الحسن.
السابع: ثلاثة عشر، أحدهم الإمام حكى عن إسحاق بن راهوية.
الثامن: عشرون، رواه ابن حبيب عن مالك.
التاسع: ثلاثون، في رواية عن مالك.
العاشر: أربعون، أحدهم إمام، وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعمر بن عبد العزيز، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، حكاه عنهم في شرح المهذب.
الحادي عشر: أربعون غير الإمام، في أحد القولين للشافعي.
الثاني عشر: خمسون، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وأحمد في أحدى الروايتين عنهما.
الثالث عشر: ثمانون، حكاه المازرى.
الرابع عشر: جمع كثير بغير قيد، وهذا مذهب مالك، فالمشهور من مذهبه أنه لا يشترط عدد معين، بل يشترط جماعة تسكن بهم قرية، ويقع بينهم البيع، ولا تنعقد بالثلاثة، والأربعة ونحوهم.
ترجيح الحافظ بن حجر: قال: لعل هذا الأخير - مذهب مالك - أرجحها من حيث الدليل.
ترجيح الحافظ السيوطي: قال: الحاصل إن الأحاديث والآثار دلت على اشتراط إقامتها في بلد يسكنه عدد كثير بحيث يصلح أن يسمى بلدا، ولم تدل على اشتراط ذلك العدد بعينه في حضورها، لتنعقد، بل بأي جمع أقاموها صحت بهم، وأقل الجمع ثلاثة غير الإمام، فتنعقد بأربعة أحدهم الإمام، هذا ما أداني الاجتهاد إلى ترجيحه، وقد رجح هذا القول المزني، ورجحه أيضا من أصحابنا أبو بكر بن المنذر. انتهى ترجيح الإمام الشوكاني قال: قد انعقدت سائر الصلوات بهما بالإجماع - أراد باثنين - والجمعة صلاة، فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل، ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها، وقد قال عبد الحق: إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث، وكذلك قال السيوطي: لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص.
وممن ذهب إلى هذا الطبري، وداود، والنخعي، وابن حزم.
وأخيرا ..
يقول العلامة صديق خان
الحق أن هذه الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه، وشعار من شعائر الإسلام، وصلاة من الصلوات، فمن زعم أنه يعتبر فيها، ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات، لم يسمع منه ذلك إلا بدليل. فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان، قام أحدهما يخطب، واستمع له الآخر، ثم قام فصليا، فقد صليا صلاة الجمعة.
هل فجر الجمعة يختص بقراءة سورة السجدة
نقول: إن الوارد في الأحاديث النبوية أنه كان يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي السجدة، والإنسان.
¥