تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول الشيخ أبو زهرة: (ولهذه الشبهة في إسناد الحديث بالرسول (ص) قالوا إنه يجب العمل به إن لم يعارضه معارض, ولكن لا يؤخذ به في الاعتقاد, لأن الأمور الاعتقادية تبنى على الجزم واليقين, ولا تبنى على الظن, ولو كان راجحا, لأن الظن في الاعتقاد لا يغني عن الحق شيئا).

وأين دليل الشيخ أبو زهرة على أن حديث الآحاد يؤخذ به في غير الاعتقاد؟.

هل كل قول أو فعل أو تقرير للرسول بوحي من الله؟:

قال تعالى في سورة النجم: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى). يعتقد البعض أن كل كلمة نطق بها الرسول وكل فكرة خطرت له وكل خطوة خطاها هي بوحي من الله، وهذا فهم خاطئ للآية الكريمة، ومخالف لنصوص القرآن ووقائع السيرة، فقد عرضت على الرسول أسئلة كثيرة من المسلمين وغير المسلمين، فلم يكن لدى رسول الله جوابا عليها حتى يتنزل عليه القرآن بالإجابة، وكانت هناك اجتهادات للرسول كثيرة في بعض المواقف، فكان القرآن ينزل بخلافها ويعارضها، وسياق الآيات القرآنية نفسها يشهد بذلك وسياق السيرة كذلك، وليس هنا محلا لحصرها فهي كثيرة، فالمقصود من عدم نطق الرسول إلا بوحي وفق إدراكي هو ما نطق به الرسول من قرآن، أو توجيه الله لرسوله في بعض المواقف. وكان للوحي دورا أيضا مع الرسول في غير القرآن، كتوجيه الرسول في قيادة المسلمين والحكم بينهم بما أراه الله لقوله تعالى: (فاحكم بينهم بما أراك الله) وكان للوحي دورا أيضا أثناء خوضه صلى الله عليه وسلم للمعارك ضد أعدائه، وكان دور الوحي أيضا للرسول في غير القرآن يكمن في تثبيت الرسول والذين أمنوا معه بإنزال السكينة والطمأنينة في قلوبهم.

تكرار القرآن وتأكيده على طاعة الرسول كان للذين عاصروه في حياته:

إن ورود عشرات الآيات التي تأمر وتحض على طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن، إنما تنم عن تثبيت الله لأهمية طاعته صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه وعدم مخالفة أمره، وأراد الله أيضا أن يعلمهم أن طاعته صلى الله عليه وسلم هي بإذن من الله، وهي طاعة لله، وأن ما ينطق به من قرآن ودين هو وحي من الله، وليس عن هوى أو اجتهاد شخصي، أيضا إن التكرار الكثير والتأكيد الصارم على طاعة الرسول إنما ينم عن عدة أمور هامة وهي كالتالي:

- تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن ربه من القرآن العظيم وتثبيت ذلك في نفوس المسلمين, فالمسلمون وقتها كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكانوا أيضا خارجون لتوهم من الجاهلية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وحميتها للقبيلة والنسب, فالتكرار والتأكيد في ذلك الوقت على طاعة الرسول وأن طاعته من طاعة الله يثبت في نفوس المسلمين عدم تحيز رسول الله فيما يقوله أو يأمر به أو يفعله إلى فئة ما أو قبيلة ما أو عصبية ما، بل إن ما يقوله ويفعله من أمور الدين هو بإذن من الله وتوجيه منه سبحانه لرسوله – صلى الله عليه وسلم – وليس من عند نفسه.

- كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقتها يؤسس لأمة ويؤسس لدين سيكون أتباعه يوما ما عددهم بالملايين وهذا شيء ليس بالسهل ولا اليسير, وذلك مما جعل القرآن يؤكد دائما علي طاعة الرسول وعدم الخروج عن حكمه وقضائه وأمره، وأن أي شك في رسول الله هو بمثابة شك في القرآن, لأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– لو عمد إلى التحيز أو الخطأ أو الكذب، لكان أدعى لأتباعه أن يشكوا في القرآن وما جاء فيه من أحكام وأوامر ونواهي، فكان لابد من التأكيد الدائم والتذكير المستمر بطاعة الرسول، لأنه حينئذ يؤسس ويبني أمة جديدة على العالم وعلى أتباعها.

إذن فتكرار القرآن وتأكيده على طاعة الرسول مرات كثيرة لم يكن لمجرد التكرار أو لمجرد التذكير بطاعته وحسب، ولم يكن ذلك التأكيد وذلك التكرار للذين يأتوا من بعده كما يزعم الفقهاء، بل كان للذين معه وللذين عاصروه في حياته على وجه التحديد، والدليل على ذلك أنه كانت هناك أسباب كبيرة وخطيرة تقف وراء هذا التكرار والتأكيد، حتى يكاد ينطق بها القرآن ويقرأها المرء في سياق النصوص التي جاءت تأكد على طاعة الرسول وتحذر وتنذر من معصيته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير