تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفيدون أحكام الشرع من القرآن الكريم الذي يتلقونه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكثيراً ما كانت تنزل آيات القرآن مجملة غير مفصلة، أو مطلقة غير مقيدة، كالأمر بالصلاة، جاء مجملاً لم يبين في القرآن عدد ركعاتها ولا هيئتها ولا أوقاتها، وكالأمر بالزكاة، جاء مطلقاً لم يقيد بالحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة، ولم تبين مقاديرها ولا شروطها، وكذلك كثير من الأحكام التي لا يمكن تنفيذها دون الوقوف على شرح ما يتصل بها من شروط وأركان ومفسدات، فكان لا بد لهم من الرجوع إلى رسول صلى الله عليه وسلم لمعرفة الأحكام معرفة تفصيلية واضحة.

وكذلك كانت تقع لهم كثير من الحوادث التي لم ينص عليها في القرآن، فلا بد من بيان حكمها عن طريق عليه الصلاة والسلام، وهو مبلَّغ عن ربه، وأدرى الخلق بمقاصد شريعة الله ونهجها ومراميها.

وقد أخبر الله في كتابه الكريم عن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقرآن أنه مبين له وموضح لمراميه وآياته، حيث يقول الله تعالى في كتابه: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون) (سورة النحل: 44)، كما بين أن مهمته إيضاح الحق حين يختلف فيه الناس: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (سورة النحل: 64).

وأوجب النزول على حكمه في كل خلاف: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) (سورة النساء: 65).

وأخبر أنه أوتي القرآن والحكمة ليعلم الناس أحكام دينهم فقال: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (سورة آل عمران: 164).

وقد ذهب جمهور العلماء والمحققين إلى أن الحكمة شيء آخر غير القرآن، هي ما أطلعه الله عليه من أسرار دينه وأحكام شريعته، ويعبر العلماء عنها بالسنة، قال الشافعي رحمه الله: (فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله، وهذا يشبه ما قال والله أعلم، لأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة، وذكر الله منّة على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - و الله أعلم - أن يقال الحكمة هنا إلا سنة رسول الله، وذلك أنها مقرونة مع الكتاب، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول فُرضَ إلا لكتاب الله وسنة رسوله لما وصفناه من أن ا لله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به.

وواضح مما ذكره الشافعي هنا رحمه الله أنه يجزم بأن الحكمة هي السنة، لأن الله عطفها على الكتاب، وذلك يقتضي المغايرة، ولا يصح أن تكون شيئاً غير السنة، لأنها في معرض المنة من الله علينا بتعليمنا إياها، ولا يمن إلا بما هو حق وصواب، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالقرآن، ولم يوجب علينا إلا اتباع القرآن والرسول، فتعين أن تكون الحكمة هي ما صدر عن الرسول من أحكام وأقوال في معرض التشريع.

وإذا كان كذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي القرآن وشيئاً آخر معه يجب اتباعه فيه، وقد جاء ذلك مصرحاً في قوله تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) (سورة الأعراف: 156)، وما دام اللفظ عاماً فهو شامل لما يحله ويحرمه مما مصدره القرآن، أو مصدره وحي يوحيه الله إليه، وقد روى أبو داود عن المقدام ابن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير