وعن الإمام أحمد: "ليس لأحد مع الله ورسوله كلام".
وعن الإمام مالك: "ما من أحد إلا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعن أبي حنيفة: "لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي".
فائدة:
تنقسم الأحكام الشرعية إلى:
1 - أحكام قطعيَّة يقينية، وهي بدورها تنقسم إلى:
أ – أحكامٌ قطعيَّة لا يجهلها أحد من المسلمين: لاستفاضة العلم بها بين العامة والخاصة، كوجوب صوم رمضان؛ ووُجُوبِ الصلوات الخمس؛ وحُرْمَة الخمر؛ وحُرْمة الزنا؛ ووجوب الغُسْلِ من الجنابة، وهذه الأحكام تسمى: المعلوم من الدين بالضرورة، فمن خالف هذا المعلوم من الدين يكفر كفر عين.
ب – أحكام قطعيَّة لا يعلَمُها إلا الخاصَّة من العلماء، ويجهَلُهَا الكثير من العامة: كحرمة زواج المرأة وخالتها؛ أو المرأة وعمتها؛ وأن للجدة السُّدس في الميراث؛ وأنَّ القاتل عمدًا لا يرث؛ وهذه الأحكام مع كونِها قطعية فمن يخالفها لا يكفر؛ حتى تُقام عليه الحجة التي يكفر مخالفُها.
نقل الإمام النووي في شرحِه على "صحيح مسلم" عن الإمام الخطَّابي أنه قال بعد ذكره أن مانِعِي الزَّكاة في عَهْدِ أَبِي بكر - رضِيَ الله عنه - هم أهل بغي: "فإن قيل كيف تأوَّلْتَ أمر الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذكرت، وجعلتهم أهل بغي؟ وهل إذا أنكرَتْ طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة، وامتنعوا عن أدائِها، يكون حكمهم حكم أهل البغي؟ قلنا: لا، فإنَّ مَنْ أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرًا بإجماع المسلمينَ، والفَرْق بين هؤلاءِ وأولئك أنَّهم إنما عُذِروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلُها في هذا الزمان، منها: قُرْبُ العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنَّسْخ؛ ومنها أنَّ القوم كانوا جُهَّالاً بأمور الدين، وكان عهدهم بالإسلام قريبًا، فدَخَلَتْهُمُ الشبهة فعُذِرُوا.
فأمَّا اليَوْمَ وقد شاع دين الإسلام، واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاصّ والعامّ، واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئًا مما أجمعت الأمَّة عليه من أمور الدين، إذا كان علمه مُنتشرًا؛ كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان؛ والاغتسال من الجنابة؛ وتحريم الزنا؛ ونكاح ذوات المحارِمِ، ونَحْوِها من الأحكام إلا أن يكون رجُلاً حديث عَهْد بالإسلام، ولا يَعْرِفُ حُدوده، فإنَّه إذا أنكر شيئًا منها جهلاً به لم يكفر، وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه.
أما ما كان الإجماع فيه معلومًا من طريق علم الخاصة؛ كتحريم زواج المرأة على عمَّتها وخالتها، وأنَّ القاتِلَ عمدًا لا يرث؛ وأنَّ لِلجَدَّةِ السُّدُس، وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر؛ بل يُعْذَر فيها لعدم استفاضة علمها في العامَّة. اهـ. كلام الخطابي رحمه الله.
2 - أحكام ظنية غير قطعية:
والأحكام الظنية التي تَلقَّتْها الأمة بالقبول مَنْ يخالفها يُعدّ مُبتدِعًا، يُعامَل مُعاملة المبتدعينَ في الدين.
ومَنْ خالف الحديث الصحيح فهو مُخْطِئٌ يُنْكَر عليه، ولا يُعتدّ بخلافه؛ لكونه من الخلاف غير السائغ، وليس له الدليل المعتبر؛ بل هو مخالف لما صحَّ من الدليل.
[1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftnref1) راجع في ذلك للأهمية:
- "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام"، و"وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين"، كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله.
- "الفتاوى" لابن تيمية: جـ 18/ 16، ج 20/ 257.
- "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" لابن القيم، ج 2/ 357 – 379، ج 2/ 420 – 434.
- "إحكام الأحكام" لابن حزم: ج 1/ 119 – 133.
- "الرسالة" للشافعي: 401 – 403.
[2] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftnref2) رد خبر الآحاد في العقائد مذهب المعتزلة، وتابعهم عليه الأشاعرة والماتريدية.
[3] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftnref3) راجع "إحكام الأحكام" لابن حزم ج 1/ 119 – 138 حيث ذكر في الاحتجاج على ذلك أدلة كثيرة قوية.
¥