تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصل في مذهب أحمد وغيره من العلماء في حضانة الصغير المميز: هل هو للأب أو للأم؟ أو يخير بينهما؟

فإن عامة كتب أصحاب أحمد إنما فيها أن الغلام إذا بلغ سبع سنين خير بين أبويه، وأما الجارية فالأب أحق بها، وأكثرهم لم يذكروا في ذلك نزاعاً.

وهؤلاء لم يبلغهم سائر نصوصه أحمد في هذه المسألة، ولم يبلغهم سائر نصوصه، فإن كلما أحمد كثير منتشر جدا، وقل من يضبط جميع نصوصه في كثير من المسائل؛ لكثرة كلامه وانتشاره، وكثرة من يأخذ عنه العلم.

فأبو بكر الخلال قد طاف البلاد، وجمع من نصوصه في مسائل الفقه نحوا من أربعين مجلدا، وفاته أمور كثيرة ليست في كتبه) اهـ

ومما يلاحظ هنا أن صياغة المذهب عند المتأخرين ليست راجعة إلى استقراء كلام أحمد والاستدراك على من فاته شيء منها، بل هو راجع لقواعد قرروها إما باعتبار مقام التخريج على أصول أحمد (ومعلوم أن لازم القول ليس بلازم كما هو معلوم)، أو مبنية أيضا على الكثرة، أي كثرة من ذكر هذا مذهبا، ومعلوم أن أصحاب الاستقراء في المذهب قليل، وأكثرهم متابعون لمن قبلهم في النقل عن أحمد، وأيضا: فهم يعتبرون ما اتفق عليه الشيخان الموفق ابن قدامة والمجد أبي البركات ابن تيمية، إلى غير ذلك من القواعد المعتبرة عندهم في تصحيح المذهب.

ولهذا فرقوا بين المذهب الشخصي والمذهب الاصطلاحي، لعلمهم _ رحمهم الله _ بمثل المفارقة مع ما يجدونه من مسائل أحمد.

أما عند المتوسطين، كأمثال القاضي أبي يعلي، وابن عقيل، وأبو الخطاب الكلوذاني، وهم أبرز هذه الطبقة من أثروا في صياغة المذهب، فهم يعتمدون كثيرا على ذكر المسائل عن أحمد، لكن الملاحظ أنهم – أعني هؤلاء الثلاثة – ليسوا أصحاب استقراء تام لنصوص أحمد، بمثل ما هم أصحاب تخريج، والمسائل التي يعتمدون عليها ليست بتلك الكثرة، وكثيرا ما تجد أنها تذكر بنوع من التكلف أو بعد المعنى، مما يدل على أن الاستدلال بها جاء من باب الالتماس، لا من باب الاستقراء، يلحظ هذا من قرأ في كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى أو الانتصار لأبي الخطاب، وسيأتي لهذا بعض الأمثلة بإذن الله.

ولهذا كان للقاضي أبي يعلى مع ماله من مقام فاضل في تقرير المذهب إلا أن كان له له أخطاء كثيرة على الإمام أحمد سواء في باب الاعتقاد، أو في أصول الفقه، أو في المسائل الفقهية أو في دلالئها، وقد كان لكتبه رحمه الله مما كان سببا في انتشار تلك الأغلاط، ودخولها على المتأخرين، وسيأتي أمثلة ذلك.

وقد ذكر الشيخ بكر أبو زيد _ وفقه الله _ مبحثا في كتابه الماتع " التعالم وأثره على الفكر والكتاب " عنون له بـ " المبحث الرابع في التوقي من الأغلاط على الأئمة وأقوالهم في مذاهبهم " فارجع إليه غير مأمور، ولعل بعض الأخوة يتحفنا بنقل ما ذكره الشيخ، وهو في المجموعة العلمية (ص 119 - 126)

وقبل رفع القلم أذكر ما ذكره إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالته للشيخ: عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي، قال فيها:

" وأيضا:أن في مخالفتي هذا العالم لم أخالفه وحدي فإذا اختلفت أنا وشافعي مثلاً في أبوال مأكول الحم وقلت القول بنجاسته يخالف حديث العرنيين، ويخالف حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرابض الغنم فقال هذا الجاهل الظالم: أنت أعلم بالحديث من الشافعي؟ قلت: أنا لم أخالف الشافع من غير إمام اتبعته، بل اتبعت من هو مثل الشافعي، أو أعلم منه قد خالفه، واستدل بالأحاديث.

فإذا قال أنت أعلم من الشافعي قلت: أنت أعلم من مالك؟ وأحمد، فقد عارضته بمثل ما عارضنى به، وسلم الدليل من المعارض واتبعت قول الله تعالى: " فان تنازعتم في شيء فردوه الله والرسول " [النساء:59] "واتبعت من اتبع الدليل في هذه المسألة من أهل العلم لم استدل بالقرآن، أو الحديث وحدي، حتى يتوجه على ما قيل، وهذا على التنزل، وإلا فمعلوم، إن اتباعكم لابن حجر في الحقيقة، ولا تعبؤون بمن خالفه من رسول، أو صاحب، أو تابع، حتى الشافعي نفسه ولا تعبؤون بكلامه إذا خالف نص ابن حجر، وكذلك غيركم: إنما اتباعهم لبعض المتأخرين لا للأئمة.

فهؤلاء الحنابلة: من أقل الناس بدعة؛ وأكثر الإقناع والمنتهى مخالف لمذهب أحمد ونصه؛ يعرف ذلك من عرفه؛ ولا خلاف بيني وبينكم: أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم؛ وإنما الشأن إذا اختلفوا، هل يجب على أن أقبل الحق ممن جاء به، وأرد المسألة إلى الله والرسول، مقتدياً بأهل العلم؟ أو انتحل بعضهم من غير حجة؟ وأزعم أن الصواب في قوله؟ فأنتم علي هذا الثاني، وهو الذي ذمه الله، وسماه شركاً، وهو اتخاذ العلماء أرباباً؟ وأنا علي الأول، أدعو إليه، وأناظر عليه، فإن كان عندكم حق رجعنا إليه، وقبلناه منكم." اهـ

انظر: الدرر السنية (1: 44 - 45).

(يتبع إن شاء الله .. )

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير