إن أعمال التوسعة للمسعى حتى كتابة هذه السطور تسير على قدم وساق، ليل نهار، وما هي إلا أشهر ويصبح المسعيان الجديد والقديم -بعد إعادة بنائه- جاهزين للاستخدام وتتحول القضية من نقاش علمي نظري إلى تطبيق عملي وسيسأل الناس نحج أم لا نحج؟ نعتمر أم لا نعتمر؟ نسعى أم لا نسعى؟ وكيف نسعى؟
الوقفة العاشرة:
وهي بيت القصيد، ما موقف المسلم من كل ما يجري؟ وما العمل الآن؟ وما المتوقع أن يحصل في الأشهر القليلة القادمة؟ وما الذي سيسفر عنه هذا الخلاف القائم اليوم؟ وهذه كلها أسئلة تحتاج إلى إجابة:
أولاً: من الناحية الشرعية فلن يعدو الأمر ثلاث احتمالات:
1 - أن يقتنع المانعون بأدلة المجيزين ويصدروا فتوى بالجواز (ولو بالأغلبية)
2 - أن يقتنع المجيزون بأدلة المانعين ويتراجعوا عن أقوالهم (ولو بالأغلبية) وأعني بهم العلماء وبعض طلبة العلم الذين كتبوا بحوثاً علمية في الموضوع أما أصحاب الإشادة والتهنئة والتبريك فليسوا من أهل هذه المسائل في قبيل ولا دبير.
3 - أن يبقى كلٌ على رأيه. وإن تراجع بعض هؤلاء وبعض هؤلاء بما لا يؤثر في رفع الخلاف.
ثانياً: من الناحية العملية فلن يعدو الأمر ثلاثة احتمالات أيضاً وهي تبع للناحية الشرعية:
1 - في حال اقتناع المانعين بأدلة المجيزين فالأمر واضح، وسيمضي المشروع كما خُطط له وسيسعى الناس في المسعى الجديد (إلا قليل منهم ولا حكم لهم)
2 - في حال اقتناع المجيزين بأدلة المانعين فالأمر أيضاً واضح وسيكون السعي في المسعى القديم بعد أن يكون قد تم تجديده آنذاك، أما مبنى المسعى الجديد فستكون له وظيفة أخرى يحددها المسئولون عن إدارة المسجد الحرام.
3 - الحالة الثالثة وهي بقاء كلٍّ من الفريقين –أو أغلبهم- على رأيه، فها هنا لا يخلو الأمر من حالين:
الحال الأول: أن يمضي الأمر بما يوافق رأي المانعين فيؤول الأمر إلى ما ذُكر قبل قليل وهو: حال اقتناع المجيزين بأدلة المانعين
الحال الثانية: أن يمضي الأمر بما يوافق رأي المجيزين وهنا لا يخلو من حالين أيضاً:
الأول: أن يكون المسعى الجديد في اتجاه واحد من الصفا إلى المروة والقديم في اتجاه واحد أيضاً من المروة إلى الصفا –وهذا هو ما صُمم له حسب اطلاعي على المخططات- وهنا لا بد أن يكون للعلماء المانعين وقفة مع الحدث وفتوى تتناسب مع هذه النازلة ومع الوضع القائم.
الثاني: أن يكون كلٌّ من المسعيين القديم والجديد باتجاهين، فيكون السعي في مبنى المسعى الجديد من باب الاختيار لا الإجبار، وهنا سيقلد الساعون من يثقون في فتواه وسيتبع بعضهم الأيسر له دون النظر في الحكم كما هو الحال في السعي في الطابق العلوي.
وعليه فالخوض في هذا الآن ليس مجدياً وفيه تضييع للأوقات، كما أنه ليس من الحكمة التسرع في إطلاق الأحكام واتخاذ موقف قد يندم عليه المرء مستقبلاً.
الوقفة الحادية عشرة:
ما العمل الآن وقد تم هدم المسعى القديم ولا يوجد إلا المسعى الجديد ومن العلماء من يفتي بجواز وإجزاء السعي فيه ومنهم من يفتي ببطلانه؟
والجواب أنه مادام الأمر كذلك فلا يخلو الأمر من حالات ثلاث:
1 - أن يكون المرء مقتنعاً بقول المانعين فلا يسعه خلافه ولا يجزئه السعي.
2 - أن يكون المرء مقتنعاً شرعاً لا هوىً بقول المجيزين فيقلدهم وكلٌّ يتحمل مسئولية فتواه.
3 - أن يكون متردداً ولم يظهر له رجحان أحد القولين فهذا الأولى في حقه الأخذ بالأحوط وبما عليه الأكثر علماً واتباعاً للسنة.
بقي أمرٌ آخر، وهو: هل هذا الاختلاف من الأمور الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف ولا إنكار في مسائل الاجتهاد أم هو من المسائل التوقيفية المنصوص عليها؟
وهذا محله الوقفة الأخيرة.
الوقفة الأخيرة:
هذه المسألة المعضلة، والنازلة المجلجلة، من حيث النظر إلى النصوص الشرعية فهي مسألة توقيفية وليست اجتهادية فالسعي بين الصفا والمروة طولاً وعرضاً يكاد يكون محل اتفاق بين العلماء ولو خالف البعض فيه، ومن حيث توصيف الحال وهل المسعى الجديد يقع ضمن الصفا والمروة أم خارجهما؟ فمحل نظر وبحث واجتهاد وعليه يدور الخلاف.
¥