تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الفرق بين الشورى و الديموقراطية]

ـ[أبو عبد الله عادل السلفي]ــــــــ[28 - 04 - 08, 06:29 ص]ـ

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم , أما بعد:

لا ينبغي أن تؤخذ العلاقة بين الشورى والديموقراطية على أنها علاقة توافق أو علاقة تضاد.

ذلك أن كل نظام منهما يمثل استقلالاً تاماً له أسسه ومبادئه وآليات تنفيذه، ووجود مواطن اتفاق، أو مواطن اختلاف، لا يعني أن ترسم العلاقة بينهما بتوافق، أو تضاد.

الشورى: صورة من صور المشاركة في الحكم، تستمد جذورها من أصول الدين وجذوره، وهي من أهم المبادئ الشرعية التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام، بل إن بعض الباحثين يرى أن الشورى هي النظام السياسي ذاته، وليس واحداً من مبادئه، أو قاعدة من قواعده، نظراً لما يترتب على الشورى في المنظور الإسلامي من بيان العلاقة بين الحاكم وأهل الشورى، والتزام الدولة بالقواعد المشروعة.

أما الديموقراطية: فنظام سياسي اجتماعي غربي النشأة، عرفه الغرب من الحقبة اليونانية، ودخل عليه تطوير في الحضارة المعاصرة. كما أنها تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة من منطلق مبدأ المساواة بين المواطنين، ومنح حق المشاركة في صنع التشريعات، وسن القوانين التي تنظم الحياة العامة وفق مبدأ أن: (الشعب مصدر السلطات)؛ فالسلطة في النظام الديموقراطي، هي للشعب بواسطة الشعب.

وفي الشورى حق التشريع لله وحده؛ فالشريعة من عند الله وليست من عند البشر، بل هي وحي منزل من عند الله. وعلى الرغم من وضوح ذلك في عقيدة المسلم ومعايشته واقعاً وتطبيقاً، إلا أن الشريعة أعطت للإنسان مساحة يجتهد فيها - وهي مساحة واسعة -، وتكون اجتهاداً في مجالين: الاجتهاد فيما لا نص فيه. والاجتهاد في فهم دلالة النص فيما تحتمل فيه تلك الدلالة الاجتهاد، وهو اجتهاد له ضوابطه كما أنه لا يكون إلا من ذوي أهلية واختصاص.

وكما أن للإنسان سلطة الاجتهاد، كذلك له مساحة واسعة في سياسة الحكم وإدارة شؤون الناس واحترام الرأي العام، والرقابة العامة والقضاء. كلها ميادين للاجتهاد فكل ما أدى فيها إلى الصلاح، وحقق المصلحة، فهو مشروع مطلوب من غير حصر في نظام محدد.

والديموقراطية، تجعل السلطة في التشريع للشعب والأمة، أما في الممارسة والواقع؛ فالسلطة للمجالس البرلمانية، وقد تكون للحزب ذي الأغلبية النيابية.

الشورى مأمور بها شرعاً، ومحكومة بالشرع، وتربط بين صلاح الدين والدنيا، وسعادة الدنيا والآخرة؛ فالصلاح الدنيوي له بعد ديني يتمثل في المعيار الديني لهذا الصلاح.

والديموقراطية يقتصر نظرها في حدود صلاح دنيا الإنسان، وبالمقاييس الدنيوية بل بالمادية فقط.

وهكذا فالسلطة في الشورى مقيدة بعدم خروجها عن النصوص الشرعية. كما أن مجالها يكون فيما لا نص فيه، أو في دلالة النص إذا كانت دلالة غير قطعية، وإذا وجد النص قطعي الدلالة؛ فإن مجال الشورى يكون حينئذ في الوسائل التنفيذية والتطبيقات في اللوائح والقرارات، وما شابهها.

وفي كل ذلك يجب أن تكون التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

أما سلطات المجلس النيابي في الديمقراطية، فيمكن القول أنها مطلقة وإن كانت مقيدة بالدستور لكن الدستور نفسه قابل للتغيير.

إن الحقوق والحريات العامة في الشورى تختلف عنها في الديموقراطية من جهتين:

1 - في الشورى تتحول الحقوق والحريات إلى واجبات اجتماعية ودينية، تأخذ طابع (الوظيفة الاجتماعية) المرتبطة بتحقيق المقاصد الشرعية، وبتوازن

يحقق مصلحة الفرد والجماعة دون طغيان أحد الجانبين على الآخر.

وأما في الديمقراطية؛ فلا تزال تأخذ في ذلك موقفاً يغالى فيه في تغليب الجانب الفردي.

2 - هذه الحريات والحقوق مقيدة بضوابط من الشريعة نفسها، أما في الديموقراطية فهذه الحقوق مطلقة لا يحدها إلا ضابط عدم الإضرار بالغير، أو القانون، ولكن القانون نفسه يتغير.

الشورى مرتبطة بقيم أخلاقية نابعة من الدين نفسه، ولذلك فهي ثابتة غير خاضعة لتقلبات الميول والرغبات، ومن ثم فهي تضبط تصرفات الأمة وتحكم، رغباتها. بينما لا توجد مثل هذه القيم الثابتة في الديموقراطية، بل هي قيم نسبية تتحكم فيها رغبات وميول الأكثرية، ومتغيرات الظروف وتقلبات الزمن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير