[العصرانيون معتزلة العصر.]
ـ[أبو عبد الله عادل السلفي]ــــــــ[29 - 04 - 08, 07:55 ص]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم
في أواخر العصر الأموي، نشأت فرقة المعتزلة، التي اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات، فانحرفت عن عقيدة أهل السنة والجماعةز
وقد عاشت المعتزلة وشيوخها فترات ذهبية فيما بعد، خاصة في عهد الخليفة العباسي المأمون، الذي تبنى عقائدهم، وفي عهد الدولة البويهية الشيعية التي سيطرت على دولة الخلافة العباسية ما بين عامي 333ـ 447هـ (945ـ 1055م) ز
وقد جاءت المعتزلة بأفكار عديدة خالفت فيها أهل السنة ومنها: الاعتماد على العقل كليّا في الاستدلال لعقائدهم مقدمين العقل على النقل، المتمثل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلمز
وبعد أن ارتفع شأن الاعتزال في عهد بعض الخلفاء العباسيين، وفي عهد بني بويه، كاد فكر المعتزلة أن ينتهي كفكر مستقل وكفرقة، إلاّ ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم (ج1د) ز
الفكر الاعتزالي الحديث: العصرانيون:
لقد قدر لفكر المعتزلة أن يبعث من جديد، في العصر الحاضر، على أيدي بعض العلماء والمشايخ الذين ساروا على نهج المعتزلة، وأعلوا من شأنهم وشأن مذهبهم (ج2د)، و"ألبسوه ثوباً جديداً وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل: العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي" (ج3د) ز
ويؤكد دز محمد عمارة، وهو أحد العقلانيين الذين يتناولهم هذا البحث، على انبعاث فكر المعتزلة حديثاً، فيقول: "لقد انقضت المعتزلة، كفرقة، ولكنها استمرت نزعة عقلية، وفكراً قوميّاً، وأصولاً فكرية، من خلال فرق أخرى تأثرت بها، ومن خلال البصمات التي طبعتها على المجرى العام، الخالد والمتدفق والمتطور، لفكر العرب المسلمين" (ج4د).
نقاط الاشتراك مع المعتزلة:
1ـ جعل العقل ندّاً للوحي، وتقديمه على النص الصحيح.
2ـ التبعية للمذاهب والفلسفات الأجنبية.
3ـ استباحة الخوض في الأمور الغيبية.
4ـ الاستهانة بأحكام الله وشرعه.
5ـ الجرأة على إثارة الشبهات والآراء الشاذة باسم التسامح الديني وحرية الفكر.
6ـ مقت أهل السنة، والتهوين من شأنهمز فالمعتزلة الأوائل كانوا يرمون السلف الصالح بأنهم حشوية ومجسمة ونحو ذلك، والمعاصرون يلقبون أهل السنة بالأصوليين، أو المتشددين المتزمتين (ج5د).
بذور الدعوة العقلانية:
إذا كان المعتزلة في القديم، والعصرانيون العقلانيون في الحديث، قد اعتمدوا على العقل في تعاملهم مع نصوص الوحي، وصار ذلك أبرز المآخذ عليهم، فإن هذا لا يعني أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه، ذلك أن الإسلام يدعو دائماً للتفكر في خلق السماوات والأرض، والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك.
أما انحراف المعتزلة، والعصرانيين فنتج عن استعمال العقل في غير مجاله: في أمور غيبية تقع خارج الحس، ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عدداً من القضايا على مقدمات معينة، فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها (ج6د).
والدور الذي أعطاه العصرانيون للعقل، يلخصه الأستاذ عبد السلام البسيوني بأن "يحل العقل محل النص، وأن يقوم هوى الإنسان مقام هدى الرحمن جلّ في علاه، وأن تكون النظريات البشرية حاكمة على القطعيات الربانية، وهذا ما لا يقبل به عاقل ولا مسلم" (ج7د)
وينقل البسيوني عن معجم المصطلحات العلمية ليوسف خياط تعريفه للعقلانية، التي يراد بها عموماً: "المذهب الفلسفي الذي يرى أن كل ما هو موجود مردود إلى مبادئ عقلية، ويراد بها خصوصاً الاعتداد بالعقل ضد الدين، بمعنى عدم تقبل المعاني الدينية إلاّ إذا كانت مطابقة للمبادئ المنطقية والنور الفطري" (ج8د-
إن لتعريفات السابقة لا تدع مجالاً للشك في أن تيار العصرانية أو العقلانية، يدعو لأن يكون العقل ضد الدين، وحَكَماً على نصوص الكتاب والسنة، لا كما يتوهم من أن هذا التيار يدعو للتفكر وإعمال العقل.
¥