المِسْكُ الأَذْفَر من إجابات الدكتور عبد المحسن العسكر: (1)
ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[10 - 05 - 08, 10:28 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إنا نسألك جداً مقروناً بالتوفيق، وعلماً بريئاً من الجهل، وعملاً عرياً من الرياء، وبعد:
فهذه إجابات مفيدة على سؤالات متفرقة؛ لأستاذنا الدكتور الشيخ عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر، أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وإمام وخطيب جامع الأميرة نورة بنت عبد الله بالرياض، إذ أن جمع الإجابات على سؤالات أهل العلم جادة مطروقة، ودرب مسلوك، إذ يعتبر سؤال العلماء من أنجع الطرق لاستخراج علومهم، والوقوف على مكنوناتهم، حتى تصدى لجمع ذلك أكابر العلماء قديماً وحديثاً ومن آخرهم حسب علمي سؤالات الشيخ السدحان لابن باز، وسؤالات ابن مانع العتيبي لابن باز أيضاً ...
و هذه الإجابات قد نشرت قديماً في موقع باب الإلكتروني الذي يعتبر من بواكير المواقع المنوعة على شبكة الانترنت، ولما رأيت تلك الإجابات النافعة بعيدة عن أنظار المهتمين بمسائل اللغة والتفسير وغيرها مما للشيخ – حفظه الله – مشاركة ظاهرة أو تبحر عميق، أحببت إفادة إخواني في هذا الملتقى العلمي الأغر، وعرفاناً لأستاذي أبي عبد الملك الذي جمعتني به صحبة علمية قصيرة، أشرق عليَّ فيها بطيب معشره، وحسن تعليمه، ولطافة أسلوبه، ما ليس لي كفاء في رده إلا بالدعاء له، ونشر علمه في هذا الملتقى، وقد علمت من بعض معا رف الشيخ – حفظه الله – أنهم بصدد إنشاء موقع خاص له يجمعون فيها آثاره العلمية من خطب ومحاضرة وشروح مفرغة لبعض متون النحو والبلاغة، فأسأل الله أن يعجل بذلك وأن يبارك فيه.
وقبل أن أبدأ في الشروع في مقصودي الذي سميته (المِسْكُ الأَذْفَر من إجابات الدكتور عبد المحسن العسكر) أنبه أنني ربما أضفت بعض الإجابات والمقالات في مشاركات مستقلة إما لطولها أو لغير ذلك تحت هذا العنوان أيضاً: (المسك الأذفر)، أسأل الله أن ينفع بهذه الإجابات قائلها وناقلها وقارئها .. إنه سميع مجيب
السؤال: كيف يطلب الله تعالى من بني إسراْئيل أن يذبحوا البقرة ومن ثم يقول (وذبحوها وما كادوا يفعلون)؟
الجواب: هم ذبحوها فعلا، ويدل عليه قوله تعالى: "فذبحوها" وأما قوله "وما كادوا يفعلون" فليس نفيا للفعل، ولكنه يدل على أنهم ذبحوها بعد لأي وتعنت.
وأتحفك أيها السائل بفائدة لغوية، وهي ما ذكره العلماء في "كاد" حيث قالوا: إن إثباتها نفي، ونفيها إثبات. فإذا قلت: "كدت أصل إليك" فمعناه: أنك لم تصل. وإذا قلت: "ما كدت أصل إليك، فالمعنى أنك وصلت. وقد ألغز بهذه اللفظة أبو العلاء فقال:
نحوي هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لساني جرهم وثمود
إذا استعملت في صورة المجد أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود
وقد أجاب ابن مالك فقال:
نعم هي كاد المرء أن يرد الحمى ... فتأتي بإثبات لنفي ورود
وفي عكسها ما كاد أن يرد الحمى ... فخذ نظمها فالعلم غير بعيد
وأجاب الشهاب الحجازي بقوله:
لقد كاد هذا اللغز يصدئ فكرتي ... وما كدت منه أشتفي بورود
فهذا جواب يرتضيه أولوا النهى ... وممتنع عن فهم كل بليد
(شرح الأشموني للألفية (1/ 368) إتحاف السادة المتقين (8/ 52)
السؤال: يلاحظ كثرة استشهاد علماء اللغة والنحو بشعر القدماء والجاهلين دون المولدين ما السبب في ذلك؟
الجواب: ما ذكر السائل صحيح، فإن علماء اللغة والنحو وقفوا في الاستشهاد بالشعر إلى ما قبل نهاية القرن الثاني الهجري بقليل، ولم يأخذوا عن الشعراء الذين جاءوا بعد هذه الفترة، بل سموهم المولدَّين والمحدثين، وكلاهما بمعنى واحد، فهم مُوَلَّدون لأنهم ولدوا بعد عصر الاحتجاج، وهم أيضا محدثُون بالنسبة إلى ما قبلهم من العرب الخُلَّص، ولذا لم يستشهد النحويون بشعر بشار وأبي تمام والبحتري والمتنبي وأضرابهم، مع علو كعبهم في الشعر.
لأن اللغة في عصرهم قد تغيّرت وطرأ عليها الخلل بسبب الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام وانتشروا في جزيرة العرب، حتى إن العرب أنفسهم يومئذ قد ضعفت الملكة اللغوية لديهم، ودبَّ اللحن على ألسنتهم بسبب اختلاطهم بالأعاجم. فكان ذلك هو السبب في إمساك علماء العربية عن الاستشهاد بأشعار من جاء بعد القرن الثاني، لأنه ولد في عصر ضعف اللغة، ومعلوم أن عمل أهل اللغة ضبط سنن العرب في كلامها سواء أكان ذلك من حيث دلالة المفردات، وهذه مهمة أهل اللغة، أم كان ذلك من حيث التراكيب، وذلك هو ميدان عمل أهل النحو، فهذا وذاك لا يصح الاستدلال عليه من الشعر إلا ما كان قائله عربياً خالصاً وممن ولد وعاش في عصور الاحتجاج.
وأما البلاغيون فإنهم يستدلون بشعر جميع الشعراء على اختلاف طبقاتهم إلى عصرنا هذا. لأن صناعة البلاغيين في جمهورها متوجهة إلى المعاني والأخيلة والصور، قال الرُّعيني في شرح بديعية ابن جابر: "علوم الأدب ستة: اللغة والصرف والنحو، والمعاني والبيان والبديع، والثلاثة الأُوَل لا يُستشهد عليها إلا بكلام العرب، دون الثلاثة الأخيرة، فإنه يستشهد فيها بكلام غيرهم من المولدين، لأنها راجعة إلى المعاني، ولا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم، إذ هو أمر راجع إلى العقل، ولذلك قُبل من أهل هذا الفن الاستشهاد بكلام البحتري وأبي تمام وأبي الطيب، وهلم جرا". (الاقتراح مع شرحه لابن الطيب الفاسي 1/ 611، وراجع إن شئت ما قاله في هذا الموضوع: شهاب الدين الخفاجي في حاشيته (طراز الحلة وشفاء الغلة (92). على تفسير البيضاوي (1/ 406)، وابن الطيب الفاسي في فيض نشر الانشراح شرح الاقتراح للسيوطي (1/ 611 وما بعدها.
يتبع إن شاء الله
¥