في وقتنا الحاضر يمكن أن يكون من أقام في مكبِّر الصَّوت كمن أقام في مكان أذانه؛ لأنَّ صوته يُسمع من سمَّاعات المنارة، فيكون إسماع الإقامة من المنارة بمكبر الصَّوت جارياً على ما قاله الفقهاء رحمهم الله: إنه يقيم في مكانه ليُسمعَ النَّاس الإقامة فيحضروا.
... - لا يصحُّ الأذان إلا مرتَّباً، والترتيب أن يبدأ بالتكبير، ثم التَّشهُّد، ثم الحيعلة، ثم التَّكبير، ثم التَّوحيد، فلو نَكَّسَ لم يجزئ.
والدَّليل: أنَّ الأذان عبادة وردت على هذه الصِّفة؛ فيجب أنْ تُفعَلَ كما وردت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ». فلو قال: «الله أجلُّ» أو «الله أعظمُ» أو «الله الأكبر» أو «أُقِرُّ أنْ لا إله إلا الله»، وكذلك لوقال: «أَقبِلُوا إلى الصَّلاة» بدل «حَيَّ على الصَّلاة» لم يصحَّ؛ لأنَّ هذا تغيير لماهيَّة الأذان
... - وكذلك «متوالياً»، يعني: بحيث لا يَفْصِلُ بعضَه عن بعض، فإن فَصَلَ بعضَه عن بعض بزمن طويل لم يجزئ، فلا بُدَّ أن يكون متوالياً؛ لأنَّه عبادة واحدة، فلا يصحُّ أن تتفرَّق أجزاؤها، فإن حَصَل له عُذر مثل إن أصابه عُطاس أو سُعَال، فإنه يبني على ما سبق؛ لأنه انفصل بدون اختياره.
... - وكذلك «من رَجُلٍ واحد عدل» فلا يصحُّ من امرأة، ولا من اثنين فأكثر، ولا يُكمِلُ الأذان إذا حصَل له عُذر بل يستأنف. و «عدل» أنه لا بُدَّ أن يكون مسلماً، فلو أذَّنَ الكافر لم يصحَّ؛ لأن الأذان عبادة فاشتُرطَ فيه الإسلام، ولو أذَّن المعلنُ بفسقه كحالق اللحية ومن يشرب الدُّخان جهراً، فإنه يَصِحُّ أذانه لأن الأذان ذِكْرٌ؛ والذِّكْرُ مقبولٌ من الفاسق؛ لكن لا ينبغي أن يتولَّى الأذان والإقامة إلا من كان عدلاً. والمجنون رُفِعَ عنه القلم، فلا يُوصفُ بعدالة ولا فسق.
... - بالمُسجِّل غير صحيح؛ لأنَّه حكاية لأذان سابق، ولأنَّ الأذان عبادة، فكما أنَّه لا يصحُّ أن نسجِّل صلاة إمام ثم نقول للناس ائتمُّوا بهذا «المسجِّل»، فكذلك لا يصح الاعتماد على «المسجِّل» في الأذان، فمن اقتصر عليه لم يكن قائماً بفرض الكفاية.
... - ولوأذن على سبيل التطريب والتلحين به كأنما يجرُّ ألفاظ أغنية، فإنه يجزئ لكنه يُكره. و الملحون: هو الذي يقع فيه اللَّحن، أي: مخالفة القواعد العربية. ولكن اللَّحن ينقسم إلى قسمين:
... قسم لا يصحُّ معه الأذان، وهو الذي يتغيَّر به المعنى.
... وقسم يصحُّ به الأذان مع الكراهة وهو الذي لا يتغيَّر به المعنى فلو قال المؤذَّن: «الله أكبار» فهذا لا يصحُّ، لأنه يحيل المعنى، فإن «أكبار» جمع «كَبَر» كأسباب جمع «سبب» وهو الطَّبل. ولو قال: «الله وكبر» فإنَّه يجوز في اللغة العربية إذا وقعت الهمزة مفتوحة بعد ضَمٍّ أن تَقلب واواً، ولو قال: «أشهد أن محمداً رسولَ الله» بنصب «رسول» فهو لا شكَّ أنَّه لَحْنٌ يُحيل المعنى على اللُّغة المشهورة؛ لأنه لم يأتِ بالخبر، لكن هناك لغة أن خبر «أن» يكون منصوباً فيُقبل هذا وعلى هذه اللُّغة لا يضرُّ نصب «رسول» إذا اعتقد القائل أنها خبر «إن»، والمؤذِّنون يعتقدون أن «رسول الله» هو الخبر.
ولو قال: «حيَّا على الصَّلاة» فهذا لا يتغيَّر به المعنى فيما يظهر، وحينئذ يكون الأذان صحيحاً.
... - «ويُجْزِئُ من مُمَيِّز»، والمميِّز: من بلغ سبعاً إلى البلوغ، وسُمِّيَ مميِّزاً لأنه يميِّز فيفهم الخطاب ويردُّ الجواب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أبناءَكم بالصَّلاة لسبعِ، واضربُوهم عليها لعشرٍ» فجعل أوَّلَ سِنٍ يُؤمر به الصبيُّ سبعَ سنين، وهذا يدلُّ على أنه قبل ذلك لا يصحُّ توجيه الأمر إليه.
فهل يصحُّ أذان المُميِّز أو لا يصحُّ؟ إنْ أذَّنَ معه غيرهُ فلا بأس، وإن لم يكن معه غيرُه فإِنَّه لا يُعتمد عليه، إلا إذا كان عنده بالغ عاقل عارف بالوقت ينبِّهه عليه. وهذا هو الصَّواب.
... - «ويُبطلُهُما فصلٌ كثيرٌ» والفصل الكثير هو الطويل عُرفاً، وإنما أبطلهما لأن الموالاة شرط؛ حيث إن كلَّ واحد منهما عبادة، فاشترطت الموالاة بين أجزائها كالوُضُوء، فلو كبَّر أربع تكبيرات ثم انصرف وتوضَّأ ثم أتى فأتمَّ الأذان، فإن هذا الأذان لا يصحُّ، بل يجب أن يَبْتَدِئَهُ من جديد.
¥