" قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: قول من قال يتعين (أي الدعاء الوارد) شاذ مردود، مخالف لجمهور الأصحاب، بل مخالف لجماهير العلماء، فقد حكى القاضي عياض اتفاقهم على أنه لا يتعين في القنوت دعاء ... وقال صاحب الحاوي: يحصل بالدعاء المأثور وغير المأثور " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/ 63):
" وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (4/ 52):
" ولو زاد على ذلك فلا بأس لأن المقام مقام دعاء " انتهى.
رابعا:
ينبغي الانتباه إلى أن الزيادة على الدعاء المأثور، وإن كانت سائغة عند جمهور العلماء، فلا يجوز أن تتخذ هديا لازما ووردا ثابتا، تهجر لأجله السنة المأثورة، وتفوت لأجله بركة اتباع الهدي، بل ولا ينبغي أن يجمع بينهما دائما ويجعلا بمنزلة واحدة؛ بل يفعل المصلي ذلك أحيانا ويتركه أحيانا، بحسب مقتضى الحال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الهوى والابتداع؛ فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء وسالكها على سبيل أمان وسلامة والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس وهي جملة يطول تفصيلها!!
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ; بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به ; بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة؛ فهذا إذا لم يُعْلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه ; لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به. وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب. وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد."
مجموع الفتاوى (22/ 511).
خامسا:
ما هو مقدار القنوت؟ وهل يشرع التطويل فيه أم لا؟
إذا تأملنا في حديث الحسن بن علي السابق، نجد أن الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم له دعاء مختصر موجز، لا يكاد يستغرق الدقائق المعدودات، مما يدل على أن الأَوْلَى في دعاء القنوت هو الاختصار، والاقتصار على جوامع الدعاء.
جاء في مغني المحتاج (1/ 369):
" قال في المجموع عن البغوي: وتكره إطالة القنوت كالتشهد الأول، وقال القاضي حسين: ولو طَوَّلَ القنوت زائدًا على العادة كُره " انتهى.
بل أشار النووي رحمه الله تعالى إلى أن الجمع بين دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء عمر رضي الله عنه، في القنوت، هو من التطويل الذي ينبغي مراعاة أحوال الناس فيه، والعلم برضاهم به.
قال: " قال أصحابنا: يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وبين ما سبق فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر , وفي وجه يستحب تقديمه وإن اقتصر فليقتصر على الأول , وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفردا أو إمام محصورين يرضون بالتطويل والله أعلم"
المجموع (3/ 478).
وإذا كان الجمع بين الدعاءين المذكورين، على قصرهما، نوعا من التطويل، فكيف بما يبلغ ما ذكرت في سؤالك (20) دقيقة، أو نحوها، فكيف بمن يدعو ضعف ذلك أو يزيد، مما ابتلي به كثير من الأئمة الذين لا هم لهم إلا التغني بالناس، والعياذ بالله، وقد رأى الناس من ذلك في زماننا عجبا!!
والأحسن في هذا كله والله أعلم هو الاعتدال، فإن خير الأمور الوسط، وقد نهت الشريعة أن نشق على الناس، خاصة إذا اعتاد ذلك في كل ليلة.
سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي "فتاوى علماء البلد الحرام" (152):
" بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون الدعاء، وبعضهم يُقَصّر، فما هو الصحيح؟
فأجاب رحمه الله:
¥