فابن معين لم يضعف عمر بن حمزة مطلقاً كما ظن البعض, فيمكن أن يقال إن غرض ابن معين في رواية الدوري أن ينزل بابن حمزة عن ابن زيد, فإذا قال في الثاني صالح فيكون الأول-عمر بن حمزة-صويلح أو حسن الحديث أو صدوق إن شاء الله ونحو ذلك مما هو أقل من صالح, كما يعلم من مراتب التعديل-انظر فتح المغيث [1/ 335]-,وكل هؤلاء يحسن حديثهم.
هذا ما يقتضيه النظر الصحيح, ولذا تجد الحافظ الناقد أبا الحسن بن القطان يقول ما نصه: ((عمر ضعفه ابن معين, وقال إنه أضعف من عمر بن محمد بن زيد فهو في الحقيقة تفضيل أحد ثقتين على الآخر)).اهـ. [بيان الوهم والإيهام [2/ 18 - أ].
أما عن قول ابن معين في رواية الدارمي: ضعيف. فبالرجوع للنص يمكن استنتاج ما ستجده بعون الله تعالى, قال ابن عدي في الكامل [5/ 1679]: ((ثنا محمد بن علي ثنا عثمان بن سعيد قال: قلت ليحيى بن معين ما حال عمر بن حمزة الذي روى عن سالم؟ قال: ضعيف.
فأرى-والله عز وجل أعلم-أن التعديل الذي صدر من ابن معين لعمر بن حمزة في رواية الدوري أولى لعدة أمور:
الأول: إن قوله: ضعيف, جرح غير مفسر وهو مردود-بالاتفاق-في مقابل التعديل المذكورة من يحيى بن معين نفسه ومن غيره كما سيأتي.
الثاني: إن ابن معين ضعف عمر بن حمزة بالنسبة لروايته عن سالم فقط, ولم يضعفه مطلقاً.
قال الحافظ ابن حجر في ((بذل الماعون في فضل الطاعون)): ((وقد وثقه-أي أبا بلج-يحي بن معين والنسائي ومحمد بن سعد والدار قطني, ونقل بن الجوزي عن ابن معين أنه ضعفه، فإن ثبت ذلك فقد يكون سأل عنه ومن فوقه فضعفه بالنسبة إليه، وهذه قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه، نبه عليها أبو الوليد الباجي في كتابه رجال البخاري ().اهـ. الرفع والتكميل [ص 114].
وللحافظ ابن حجر كلام جيد بشأن اختلاف النقل عن ابن معين وغيره أنظر اللسان [1/ 17].
الثالث: إن ابن معين رحمه الله تعالى لم يوافقه أحد-إن شاء الله تعالى- على هذا التضعيف المطلق، وهو متنعت في الجرح يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه كما قال الذهبي في جزء من يعتمد قوله في الجرح والتعديل [ص158].
ومنه يعلم أن تضعيفه لعمر بن حمزة في رواية الدارمي إما أن يرد أو يقيد بروايته عن عمه سالم، ولكن في غير صحيح مسلم،وهو قيد مطلوب لأن مسلماً أخرج روايته عن سالم في صحيحه، والأول أظهر لموافقته القواعد والله تعالى أعلم، وهو الذي اعتمده ابن القطان في بيان الوهم والإيهام فأصاب بذلك.
ومما سبق يعلم أن إطلاق الضعف على عمر بن حمزة -معزواً إلى ابن معين-كما فعل الألباني ليس بجيد،ومخالف لما صدر عن ابن معين نفسه.
ثانياً: أما النسائي فلم يثبت عنه-والله تعالى أعلم-تضعيف عمر بن حمزة، ومن نقل عنه التضعيف فقد أخطأ.
وبيان ذلك أن النسائي نفسه قال في الضعفاء [ص48] ما نصه: ((عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ليس بالقوي)).اهـ.
وهناك فارق بين قولهم: ضعيف، وقولهم: ليس بالقوي، ولذلك كان ابن عدي دقيقاً فلم يتصرف في عبارة النسائي ونقلها كما هي، انظر الكامل [5/ 1679].وإلا لما كان لتقسيم مراتب الجرح وكذا في التعديل فائدة عند المحدثين. قال الحافظ في هدي الساري في ترجمة الحسن بن الصباح [ص397]: ((قال-أي النسائي-في الكنى: ليس بالقوي ().قلت-أي الحافظ-:هذا تلين هين)).اهـ.
واللين من أقل درجات التجريح, فكيف إذا كان هيناً, فكيف إذا صدر عن النسائي المعروف تشدده.
ومنه يعلم أن قول الألباني: ((ضعفه النسائي)) ,ليس بجيد و تقويله ما لم يقله والله أعلم. ويمكن لك أن تقول: ليس بالقوي, جرح مردود غير مفسر, خاصة وقد عدل عمر بن حمزة جماعة, واحتج به مسلم, ومثله قول الحافظ في ترجمة عبد الأعلى البصري من مقدمة الفتح [ص416]: ((قال محمد بن سعد لم يكن بالقوي, قلت هذا جرح مردود وغير مبين)).اهـ.
ثالثا: أما قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ((أحاديثه مناكير)).فلا يعني تضعيفا له من أحمد, ذلك أن المشتغل بالحديث يعلم أن للنكارة معنى التفرد عند أحمد وكثير من المتقدمين.
قال الحافظ أبو الفرج بن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي [ص324]: ((ولم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر وتعريفه إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ-وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل-:أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة أو عن التابعين عن الصحابة لا يعرف ذلك الحديث وهو متن الحديث إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً)).اهـ.
وهذا مذهب أحمد، كما قرره ابن رجب في شرح العلل وهو خبير بأقوال إمامه، وقال الحافظ في مقدمة الفتح [ص437] في ترجمة محمد بن إبراهيم التميمي بعد ذكر قول أحمد فيه يروي المناكير: ((قلت: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له)).اهـ. وقال الحافظ أيضاً في ترجمة بريد بن عبد الله [مقدمة الفتح ص492]: ((أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة)).اهـ.
فمنه يعلم أن أحمد رحمه الله تعالى لم يرد تضعيف عمر بن حمزة أو ذكره بالمخالفة للثقات وإنما أراد أنه ممن يتفرد بالحديث وهذا لا يضره إلا إذا انفرد مع المخالفة وكان ذلك غالباً على حديثه وإلا فلا، قال الحافظ الذهبي في الموقظة [ص78]: ((وليس من حد الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يقر على خطأ)).اهـ
¥