ومن الدليل على الاحتجاج بها: أنه المتبادر إلى الفهم من أساليب العربية، فقولك لإنسان: (إن تفعل الخير تفلح) دال بمفهومه على: (إن لا تفعل الخير لا تفلح)، وإلا فلا فائدة من تعليق الجزاء على الشرط.
وروى مسلم عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) النساء: 101 فقد أمن الناس؟ فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ".
فهذا دليل على صحة الاستدلال بالمفهوم عندهم، فإن سليقة عمر العربية جعلته يعجب من بقاء الحكم عند انتفاء الشرط؛ لأنه مدرك أن الأصل عدمه، حتى بين له النبي صلى الله عليه وسلم: أن بقاء الحكم صدقة من الله تعالى على المسلمين.
2 - الحنفية ووافقهم بعض العلماء من غيرهم: ليس بحجة في نصوص الشريعة.
والسبب أنهم رأوا كثيرا من صور المفهوم غير مرادة.
ا لراجح:
صحة أن يكون المفهوم مدركا من لسان العرب وأساليبها، تدل على أنه يصلح اعتبار الاستدلال به في سائر الكلام العربي وكذلك نصوص الكتاب والسنة، لكن يجب أن يضبط ببعض الشروط لإخراج ما لا يصح أن يستدل به له.
شروط صحته:
ا - أن يسلم الحكم من المعارض.
فمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة " (أخرجه البخاري)، أن لا زكاة في المعلوفة، بشرط أن لا يكون الدليل ثبت بوجوب الزكاة فيها.
فاستدلال بعض المالكية بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (الثيب أحق بنفسها من وليها) أن البكر تجبر، استدلال بالمفهوم مع قيام المعارض، كما أشعر به سياق الحديث بتمامه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها " (أخرجه مسلم من حديث ابن عباس)، بل هو كذلك عند مالك في " موطئه " بلفظ: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها"، فلو صح إجبارها لم يكن لاستئذانها معنى، وثبت من حديث ابن عباس وغيره أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم (أخرجه أبو داود وغيره، وهو صحيح).
ومما سقط فيه اعتبار المفهوم لقيام المعارض قصة عمر بن الخطاب المتقدمة في قصر الصلاة.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الربا في النسيئة " (متفق عليه من حديث أسامة بن زيد، واللفظ لمسلم)، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يحتج بمفهوم هذا الحديث بنفي الربا في غير النسيئة وحصره في النسيئة، وإنما خالفه غيره من الصحابة كأبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره لا في صحة إفادة الحصر بهذه الصيغة، وإنما لثبوت المعارض عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثبوت تحريم ربا الفضل.
2 - ألا يكون خرج مخرج الغالب.
فمثال ما سقطت فيه دلالة المفهوم لمجيئه على هذا المعنى: قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا " النور: 133 فهذا شرط لا مفهوم له؛ لأن الإكراه لا يقع عادة مع الرغبة في البغاء؛ إنما يقع وهن يردن العفة، فالمعنى: لا يحل إكراههن على البغاء إن أردن تحصنا أو لم يردن.
وتقدم في (المطلق والمقيد) قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " (النساء: 23، فقوله. اللاتي في حجوركم " وصف لكنه لا أثر له لمم إنما خرج مخرج الغالب، لأن بنت الزوجة تكون غالبا مع أمها.
ومن ذلك قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة" (آل عمران:135، فلا مفهوم له في جواز القليل من الربا، لمم إنما خرج فذا مخرج الغالب، فإن أحدهم كان يقول لمن له عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضى وإلا زاده، حتى يصير ذلك أضعافا مضاعفة.
3 - ألا يقصد به تهويل الحكم وتفخيمه.
¥