كقوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعك المقتر قدره، متاعا بالمعروف حقا على المتقين " وقوله. وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، فلا يقال: لا تجب متعة الطلاق عك غير محسن ولا متق، لأن الحكم في الأصل يتناول كل مكثف، إلا أن مخاطبة المكلف بوصف الإحسان والتقوى تذكيرا له بما يجب عليه بمقتضى هذين الوصفين، وفي ذلك تعظيم جانب الأمر والنهي وتقوية للباعث على الامتثال، ولو قيل لمسلم: (إن كنت تتقي الله فافعل كذا)، فإنه لا يخفى هذا الخطاب في الإشارة إلى عظمة ذلك الشيء المأمور به ورفعة منزلته، مع ما يقترن به من زجر القلوب الغافلة، ولا يقول المخاطب حينئذ: (لا يشملني الخطاب، لأني لست من المتقين بمفهوم اللفظ! وإنما هذا خطاب للمتقين خاصة).
4 - ألا يكون خرج مخرج الجواب على سؤال معين.
مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى "تفق عليه)، فهذا النص لا مفهوم له، فلا يقال: (صلاة غير الليل ليست مثنى) بسبب أن الحديث جاء جوابا عن صلاة الليل خاصة فلا يتعداها
لإفادة حكم غيرها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل، فقال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ قال: " مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فصل ركعة، واجعل آخر صلاتك وترا " (متفق عليه).
5 - ألا يكون أريد به المبالغة.
كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين: استغفر لهم أولا تستغفر
لهم، إن تستغفر لهم سنعين مرة فلن يغفر الله لهم " التوبة: 185، فالعدد هنا لا مفهوم له، إنما خرج عك سبيل المبالغة، والمعنف: مهما استغفرت لهم، وهذا مؤيد بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال. لما مات عبدالله بن أبي أبن سلول دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلي عك أبن أبي وقد قال يوم كذا: كذا وكذا؟ قال: أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أخر عني يا عمر"، فلما أكثرت عليه قال: "إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت عك السبعين يغفر له لزدت عليها"، قال: فصك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) إلى قوله: (وهم فاسقون) (التوبة: 184، قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم (أخرجه البخاري)، ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن العدد للمبالغة، كما رجا
أن ينفع الاستغفار لو زاده على السبعين رغبة منه في رحمة أمته صلى الله عليه وسلم، كما يدل عليه صراحة رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما هذه القصة، حيث قال فيها صلى الله عليه وسلم: "وسأزيده على السبعين " (متفق عليه)، فلما نزلت الآيتان بعد ذلك تأكد الظن بأن العدد كان للمبالغة.
6 - ألا يقصد بالسياق التنبيه على معنى يصلح للقياس عليه بطريق المساواة أو الأولوية.
مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم:
ا لغرا ب، والحدأة، والعقرب، والفارة، والكلب العقور " (متفق عليه من حديث عائشة)، فالعدد هنا لا مفهوم له، وإنما جاء ذكر فهؤلاء الخمس لأذيتهن، وقد يوجد هذا المعنى في غيرهن من دواب الأرض أو الطير بما يساويهن في الأذيتهن أو يزيد عليهن مما لا يكون صيدا، فيكون له حكمهن.
فمتى تحققت هذه الشروط كان الاحتجاج بالمفهوم صحيحا معتبرا جاريا عك أسلوب أهل اللسان، وإنما تذكر هذه الشروط لاحرازات شرعية لا من جهة اللغة.