فكذلك قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ينبغي تخصيصه بالملائكة، فإنها قد خلقت من نور، ولا تحتاج إلى الماء، ويبقى الجن أيضا في دائرة احتمال التخصيص.
وبهذا يظهر التوافق وعدم التناقض بين الآيات.
يقول الألوسي في "روح المعاني" (7/ 36): " ولا بد من تخصيص العام، لأن الملائكة عليهم السلام وكذا الجن أحياء، وليسوا مخلوقين من الماء " انتهى.
وانظر "البحر المحيط" لأبي حيان (8/ 327).
ويقول الرازي في تفسيره (11/ 13): " لقائل أن يقول: كيف قال: وخلقنا من الماء كل حيوان، وقد قال: (والجآن خلقناه مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم) الحجر/27، وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور، وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِى) المائدة/110، وقال في حق آدم: (خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ) آل عمران/59.
والجواب: اللفظ وإن كان عاماً إلا أن القرينة المخصِّصَة قائمة، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهداً محسوساً ليكون أقرب إلى المقصود، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى عليهم السلام؛ لأن الكفار لم يروا شيئاً من ذلك " انتهى.
ونقله الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/ 215).
3 - وخلق الجن من النار هو في أصل خلق الله سبحانه وتعالى لهم، ثم كان تكاثرهم عن طريق التناسل، تماما كما أن الله خلق الإنسان بداية من الطين، ثم بدأ بالتناسل والتكاثر، ولما لم نكن نعرف شيئا عن كيفية تناسل الجن، يبقى احتمال تناسلهم بماء التناسل قائما، ومن ينفي الاحتمال يحتاج إلى دليل حسي أو عقلي أو شرعي، وقد لا يوجد، وقد فسر بعض أهل العلم: ومنهم أبو العالية من السلف، الماءَ الوارد في قوله سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) بماء النطفة التي جعلها الله طريق التناسل في جميع الحيوانات، فقد يكون الجن يتناسلون بالنطف أيضا.
يقول الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/ 216 - 217):
" قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ)
الظاهر أن (جَعل) هنا بمعنى خَلَق؛ لأنها متعدية لمفعول واحد؛ ويدل لذلك قوله تعالى في سورة النور: (والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ) النور/45
واختلف العلماء في معنى: " خلق كل شيء من الماء ":
قال بعض العلماء: الماء الذي خلق منه كل شيء هو النطفة؛ لأن الله خلق جميع الحيوانات التي تولد عن طريق التناسل من النطف، وعلى هذا فهو من العام المخصوص.
وقال بعض العلماء: هو الماء المعروف؛ لأن الحيوانات إما مخلوقة منه مباشرة، كبعض الحيوانات التي تتخلق من الماء، وإما غير مباشرة؛ لأن النطف من الأغذية، والأغذية كلَّها ناشئة عن الماء، وذلك في الحبوب والثمار ونحوها ظاهر، وكذلك هو في اللحوم والألبان والأسماك ونحوها: لأنه كله ناشئ بسبب الماء.
وقال بعض أهل العلم: معنى خَلْقه كل حيوان من ماء: أنه كأنما خلقه من الماء لفرط احتياجه إليه، وقلة صبره عنه، كقوله: (خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ) " انتهى.
وانظر "زاد المسير" (5/ 348)، "تفسير القرطبي" (11/ 248)، "الدر المنثور" (5/ 626).
ثالثا:
يظهر جليا لمن يهتم بالجواب عن الشبه التي يطلقها بعض النصارى أنَّ هؤلاء المنشغلين باستخراج هذه الشبه بعيدون كل البعد عن فهم اللغة العربية، بل قد يكونون من الأعاجم الذين لم يدرسوا العربية، وإنما يريدون العبث ومحاولة الطعن في هذا القرآن العظيم.
وكل عاقل يدرك أن لا محل لأي تناقض في كتاب الله تعالى، ليس ذلك فقط لأن الله سبحانه وتعالى قال فيه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) النساء/82، بل لأن العرب أصحاب اللسان العربي العالي، البالغ في الفصاحة والبلاغة القمة العالية، والذي تحداهم القرآن في آيات عديدة أن يجاروا أسلوب القرآن الرفيع، فلم يستطيعوا إليه سبيلا، لم يَدُر في خلدهم مثل هذه الدعاوى المتنطَّعة في تناقض القرآن، ولم يخطر لهم مثل هذه الشبه مع شدة تحريهم عن كل مطعن في القرآن.
ويدلك ذلك على الجهل الذي يخيم في أذهان أصحاب الشبه هؤلاء، وهم لا يشعرون أنهم بشبهاتهم هذه إنما يكشفون عن جهلهم وقلة معرفتهم.
والله أعلم.
http://www.islam-qa.com/ar/ref/121153
ـ[محمد صفاء طه الحمودي]ــــــــ[14 - 07 - 08, 01:38 ص]ـ
جزاك الله خيرا ونفع بك
ـ[ابن عبدِ الحميد]ــــــــ[14 - 07 - 08, 02:43 ص]ـ
جزاكَ الله خيرا أخي الحبيبُ وأسأل الله تعالى أن ينفع بك، موضوع من الأهمية بمكان نسأل الله تعالى أن يزيل غِشاوة الجهل عن أبصارنا آمين
ـ[المعلمي]ــــــــ[14 - 07 - 08, 11:10 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لكن أخي الفاضل يشكل على هذا الجواب أن الرؤية في الآية هي الرؤية العلمية وليست البصرية كما يتضح.
فيكفي في المقام بناء العام على الخاص.