[استفهامات حول انتفاع الميت بوهب الحي ثواب العمل له]
ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[22 - 07 - 08, 03:33 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في تيسير العلام: (اختلف العلماء في انتفاع الميت بعمل الحي حينما يجعل الحي ثواب قربته البدنية أو المالية إلى الميت، فقال الإمام أحمد: الميت يصل إليه كل خير للنصوص الواردة فيه. أما ابن تيمية فقد نقل عنه في ذلك قولان:
أحدهما: أنه ينتفع بذلك باتفاق الأئمة.
الثاني: أنه لم يكن من عادة السلف إذا فعلوا إحدى القربات تطوعا أن يهدوا ذلك لموتى المسلمين، واتباع نهج السلف أولى وقال الصنعانى: الميت يصح أن يوهب له أي قربة .. أما لحوق سائر القرب ففيها خلاف. والحق لحوقها. وذكر ابن تيمية أن الأخبار قد استفاضت بمعرفة الميت بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا وسروره بالسار منها وحزنه للقبيح.)
- ما الراجح: انتفاع الميت بالإهداء أم لا؟
- ما المقصود بسائر القرب؟ هل المراد: القرب التي لم توهب إلى الميت؟ وكيف؟
- ما علاقة معرفة الميت بأحوال أهله ونحوه بالمسألة؟
- هل يثبت عن السلف الإهداء؟
وجزاكم الله خيرا
ـ[ابو مهند العدناني]ــــــــ[23 - 07 - 08, 03:55 ص]ـ
الأظهر أن الميت ينتفع بكل قربة تهدى إليه
واحتج المانع بآية وحديث
وأما الآية فقوله تعالى: وان ليس للإنسان إلا ما سعى.
ولا حجة فيها لأمور:
1 - أن اللام في للإنسان تفيد الملك، والمعنى: أن الإنسان لا يملك إلا عمله وسعيه، والمجوز لم يقل بملكه لسعي غيره، وإنما يقول هو ملك للساعي فإذا صرفه لغيره وصل إليه، فليس في الآية نفي الانتفاع بسعي الغير، وفرق بين نفي ملكه لسعي غيره، وبين وحصول انتفاعه بتمليك غيره له.
2 - أن في الآية تصحيح تمليك الإنسان لعمله، وإذا ثبت ملكه لعمله جاز للمالك إخراج ما يملك عن ملكه بالهبة والصدقة.
وتجويز الصدقة والهبة فرع الملك، وقد ثبت ملكه لعمله بنص الآية، وإذا ثبت الأصل ثبت حكم الفرع.
3 - لم قلتم: إن ما تحصل عليه بالهبة ليس سعيا له.
قولهم: لان الساعي غيره.
قيل: سعيهم مسبب لسبب، والسبب من سعيه وكسبه، فما ترتب عليه من سعيهم: سعي له.
وإيضاحه:
أن الناس يهدون ثواب عملهم للميت لسبب قام به الميت، كأن يكون أحسن إليهم في أمور دنياهم أو دينهم، أو لأنه قام بتحصيل أعظم الأسباب الموجبة لإحسانهم إليه، وهو الدخول في دين المسلمين.
4 - أن الآية من جملة المكتوب في صحف موسى وإبراهيم، كما قال: أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى: ألا تزر وازرة وزر أخرى، وان ليس للإنسان إلا ما سعى"
فبتقدير التسليم بمدعاهم يكون هذا من شرع ما قبلنا، وهو ليس شرعا لنا إلا إذا ثبت في شرعنا انه شرع لنا، فلا تستقل الآية بالمدعى، فيكون الاستدلال بها متوقفا على دليل من خارج.
5 - انه قابل بين أمرين:
الأول: أن الإنسان لا يحمل إثم غيره، فقال" ألا تزر وازرة وزر أخرى"
الثاني: أن الإنسان لا يحصل على عمل غيره فقال" وان ليس لإنسان إلا ما سعى"
وقد ثبت انه يحمل إثم غيره إذا كان متسببا فيه، كما قال تعالى" وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم"، فكذلك يحصل على ثواب غيره إذا كان متسببا فيه.
ثم إن هذا المتسبب فيه على نوعين:
نوع يحصل عليه بلا شرط، ونوع يحصل عليه بشرط البذل والهبة.
ومثال الأول: قوله صلى الله عليه وسلم" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم .. "
ومثال الثاني: دعاء المسلمين للميت والصلاة عليه.
والأول وصل إليه بسبب دعوته لهم.
والثاني وصل إليه بسبب إسلامه.
وكلا السببين من كسبه وعمله.
والأول سبب تام لنيل مثل ثوابهم، والثاني سبب ناقص لنيل كسبهم، لكون مقتضاه متوقفا على حصول شرط بذلهم.
6 - الجواب بحجة مركبة فيقال:
إما أن تكون الآية تحكي شرع من قبلنا أو تحكي شرعنا، ولا ثالث.
فإن كان الأول لم تستقل الآية المراد، ووجب طلب حكم المتنازع فيه من خارج.
وان كان الثاني فإما يكون معنى الآية نفي ملك الساعي لسعي غيره، وإما أن يكون المعنى نفي انتفاع الساعي بسعي غيره.
وعلى الأول فلا حجة فيها للمنازع.
وعلى الثاني فلا نسلم أن كل ما كان سعيا لغيره لم يكن سعيا له.
بل كان سعيا له فيما كان متسببا في حصوله له، ولم يكن سعيا له فيما لم يكن متسببا في بذله له.
ومن أهدى ثواب عمله لغيره فلابد ضرورة من أن يكون قد قام المهدى إليه بما يوجب بذل الهبة له.
وأما الحديث الذي احتجوا به فقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات بني آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له"
فلا حجة لهم فيه لأمور:
1 - أن محل النزاع: هل يصل إليه ثواب عمل غيره إليه أو لا؟
لا أن عمل غيره من عمل الميت، فالميت لا عمل له إلا ما باشره نفسه، وبقيت ثمرته بعد موته، فقوله انقطع عمله: من البديهيات لا نزاع فيها، وهي مسوقة لتقرير ما بعدها.
فليس فيه نفي انتفاعه بسعي غيره.
2 - أنه لو كان المقصود نفي انتفاعه بسعي غيره لم يكن لاستثناء ولده بالدعاء له معنى، لأن دعاء غيره يصل إليه ولو من غير ولده.
ولكن خص ولده بالذكر لكونه من عمله وكسبه، كما: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه"
فخص الولد بالذكر لكون دعائه له كسب له، دون دعاء غيره له فليس كسبا له، وهو ينتفع بالكل اتفاقا.
فتخصيص الولد بالذكر مع انتفاعه بدعاء الكل دليل على أن المقصود تعديد ما يكون باقيا من عمله بعد موته، لا أن المقصود قصر انتفاعه بما ذكر.
3 - يقال للمانع: انتفاعه بصلاة غيره عليه و بدعاء غيره له، وبشفاعة غيره فيه، وانتفاعه بكل ما ثبت نصا انه ينتفع به: دليل على أن الانتفاع ليس مقصورا على المذكور في الحديث، وأن الاستثناء راجع إلى عمله لا عمل غيره.
والحاصل: أن انتفاعه بالشفاعة- مثلا- ليس عملا له، ولكنه جاء بالشرط أو بالسبب الذي به يحصل له استحقاق الشفاعة، فيكون كسبا له من هذا الوجه. والله أعلم