تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[وقفة تأمل مع جملة " الإسلام دين الوسطية "]

ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[23 - 07 - 08, 07:11 م]ـ

[وقفة تأمل مع جملة " الإسلام دين الوسطية "]

السؤال: أهل الصلاح يتحدثون عن " الوسطية في الدين "، والعلمانيون يتحدثون عن " الوسطية في الدين "، بل حتى الكافر يتحدث عن " الوسطية في الدين "، فما الوسطية في الدين؟

الجواب:

الحمد لله

شاع في زماننا هذا جملة " الإسلام دين الوسطية "، وهي كلمة حق، لها أدلتها من الكتاب والسنَّة وأقوال أهل العلم، لكننا وجدنا في الوقت نفسه من أساء استعمالها، وأراد تمرير " التمييع " للأحكام الشرعية من خلالها، وذهب إلى الثوابت الشرعية ليهز قواعدها، انطلاقاً من تلك الجملة، ومن فهمه المغلوط لها.

فصار لتلك الجملة الآن استعمالان، أحدهما حق، والآخر باطل.

أ. أما الاستعمال الحق لها: فله ما يؤيده من القرآن والسنَّة وأقوال أهل العلم من أهل السنَّة، وقد جاء في القرآن بأن هذه الأمة " أمة الوسط "، والمقصود بها الخيار والعدول، وهم الذين يكونون بين طرفي النقيض.

قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) البقرة/ 143.

قال الإمام الطبري – رحمه الله -:

" وأرى أن الله تعالى ذِكْره إنما وصفهم بأنهم " وسَط ": لتوسطهم في الدين، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هُم أهلُ تقصير فيه، تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله، وقتلوا أنبياءَهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط، واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحبَّ الأمور إلى الله أوْسطُها " انتهى. " تفسير الطبري " (3/ 142).

وقال ابن القيم – رحمه الله – مؤكداً هذا المعنى -: " فدين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه، وخير الناس: النمط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلوِّ المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار، العدل؛ لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو: الوسط بين طرفي الجور، والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها.

قال الشاعر:

كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفا " انتهى.

" إغاثة اللهفان " (1/ 182).

ومما يؤكد هذا المعنى من الأمثلة في الشرع الحكيم المطهَّر:

1. دعاء المسلمين في سورة الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) الفاتحة/6، 7.

وهذا الدعاء يكرره المسلم دائما في الصلاة وغيرها، وفيه سؤال الله تعالى أن يهديه طريق المنعَم عليهم من النبيين والصدِّيقين، وأن يجنبه طريق المغضوب عليهم من اليهود الذين ضلوا على علم، ومن طريق النصارى الذي ضلوا بسبب جهلهم.

2. لا يؤخذ في الزكاة كريم المال ولا رديئه.

وقد أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه لمَّا بعثه إلى اليمن بقوله:

(أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) رواه البخاري (1425) ومسلم (130).

قال النووي – رحمه الله – معدِّداً فوائد الحديث -: " وفيه: أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال، في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط، ويحرم على رب المال إخراج شر المال " انتهى.

"شرح صحيح مسلم للنووي" (1/ 197).

3. وفي الإنفاق.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) الفرقان/ 67.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير