قوله: (اتقوا اللاعنين) أي: الأمرين الجالبين للعن، الحاملين الناسَ عليه.
قوله: (أو في ظلهم) المراد به: مستظل الناس الذي اتخذوه مكاناً للمقيل والراحة.
قوله: (البراز في الموارد) جمع مورد، وهو الموضع الذي يَرِدُهُ الناس من عين ماء أو غدير ونحوهما. والبراز: بفتح الباء، هو في الأصل الفضاء الواسع، ويكنى به عن الغائط.
قوله: (أو نقع ماء) أي: مجتمع الماء.
قوله: (تحت شجرة مثمرة) المراد هي ما يقصدها الناس ولو كانت غير مطعومة، فلا يجوز لأحد أن يتخلى تحتها.
قوله: (على ضَفَّةِ نهر جار) والمراد بها جانب النهر.
المسائل:
دلت هذه الأحاديث على النهي عن التخلي في بعض الأماكن لما في ذلك من أذية الناس بالتنجيس والاستقذار والنتن، والتسبب في نشر الأمراض وهو مظهر سيئ، منافٍ لتعاليم الإسلام الداعية إلى النظافة، والذي تحصّل من هذه الأحاديث ستة مواضع:
وهي: طريق الناس، والظل، والموارد، ونقع الماء، والأشجار المثمرة، وجانب النهر.
لابأس بقضاء الحاجة تحت ظل شجرة اذا كان لايجلس عندها احد، مثل شجر بعض الوديان.
النهي عن التكشف والتحدث حال قضاء الحاجة
94/ 9 ـ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «إذَا تَغَوّطَ الرّجُلاَنِ فَلْيَتَوَارَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَلاَ يَتَحَدّثَا. فَإنّ اللهَ يَمْقُتُ عَلَى ذلِكَ». رَوَاهُ وَصَحّحَهُ ابْنُ السّكَنِ، وَابْنُ الْقَطّانِ، وَهُوَ مَعْلولٌ.
شرح ألفاظه:
قوله: (الرجلان) تخصيص الرجل بالذكر لا مفهوم له، لكن باعتبار الغالب، وإلا فالمرأتان، والمرأة والرجل أقبح من ذلك.
قوله: (فليتوار) أي: ليستتر كل واحد عن صاحبه.
المسائل:
استدل بهذا الحديث من قال بوجوب تستر الإنسان وعدم تحدثه مع شخص اخر حال قضاء الحاجة؛ لأن التحدث حال قضاء الحاجة فيه دناءة وقلة حياء، والله تعالى يمقت على ذلك، وهو سبحانه لا يمقت إلا على الأفعال السيئة، وظاهر ذلك التحريم، ولكن حمله الجمهور على الكراهة، ولعل الصارف له عن التحريم ما تقدم عن ابن مفلح رحمه الله عند الحديث (76) من أن النهي إذا ورد في حديث متكلم فيه فإنه يحمل على الكراهة، لكن إن وجد حاجة للكلام فلا بأس، بل قد يكون واجباً، كإرشاد أعمى يخشى ترديه في حفرة، أو رؤية نحو عقرب أو حية تقصد إنساناً، أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف ... أو نحو ذلك. والله تعالى أعلم.
بيان بعض الآداب في قضاء الحاجة
95/ 10 ـ عَنْ أَبي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ يَبُولُ، وَلاَ يَتَمَسّحْ مِنَ الخَلاَءِ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإنَاءِ». مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللّفْظُ لِمُسْلمٍ.
شرح ألفاظه:
قوله: (ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) أي: لا يستنج بحجر أو ماء من البول أو الغائط بيده اليمنى.
قوله: (ولا يتنفس في الإناء) أي: لا يخرج النّفَسَ من جوفه في الوعاء الذي يشرب فيه.
المسائل:
الحديث دليل على نهي البائل أن يمسك ذكره بيمينه حال البول؛ لأن هذا ينافي تكريم اليمين.
وقد حمل جمهور العلماء هذا النهي على الكراهة لأنه من باب الآداب والتوجيه والإرشاد، ولأنه من باب تنزيه اليمين وذلك لا يصل النهي فيه إلى التحريم، وقول الجمهور أرجح، وهو أنه نهيُ تأديب وإرشاد، ومما يؤيده قوله صلّى الله عليه وسلّم في الذَّكَرِ: «هل هو إلا بضعة منك»،والمرأة كالرجل في حكم مس القبل والدبر باليمين؛ لأن سبب النهي إكرام اليمين وصيانتها عن الأقذار.
قيد النهي عن مس الذكر باليمين في حال البول، لقوله: «وهو يبول» فهل هذا القيد معتبر أو لا؟
الظاهر حمل المطلق على المقيد. وما دام أن الحديث ورد بالإطلاق والتقييد فالأحوط ألا يمس ذكره بيمينه إلا لعذر كأن تكون اليسرى مشلولة، أو فيها جرح، ونحو ذلك.
الحديث دليل على النهي عن التنفس في الإناء، وإنما يتنفس خارجه، فإن ذلك سنة ثابتة، وأدب شرعي في الشرب.
بعض الآداب المتعلقة بقضاء الحاجة ومنها النهي عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار
¥