تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

["الضربة القاضية" الكاذبة! ... أنموذج لتمويهات متكلمي الاشاعرة]

ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[21 - 06 - 09, 09:30 م]ـ

"الضربة القاضية" الكاذبة!

فعلا، لقد شاع وذاع أن الغزالي وجه بكتابه "تهافت الفلاسفة" ضربة قاضية إلى الفلسفة لم تقم لها بعده قائمة. وهذا من "الحقائق" الموروثة التي ملأت "التاريخ" العربي الذي نسجه "الجهل المركب"؛ وسيكون علينا، إذن، البدء في هذا المدخل بكشف الغطاء عن كذب هذا "الصواب الموروث". ذلك أن "الفلسفة" التي عارضها الغزالي، وبالتحديد فلسفة ابن سينا، التي عمل هو نفسه على نشرها من خلال معارضته لها، قد بقيت حية بعده تُوَظَّف التوظيف نفسه الذي مارسه فيها وعليها صاحبها، الشيخ الرئيس. وعلى العكس تماما مما هو شائع، فلم يكن لكتاب "تهافت الفلاسفة" ذلك الأثر الذي يعزى له، فلم تترد له أية أصداء تستحق الذكر، ما عدا إدراجه في قائمة كتب الغزالي من طرف بعض مؤرخي الطبقات الذين أرخوا للغزالي كواحد من كبار فقهاء الشافعية. أما المفكرون الأشاعرة الذين خلفوا الغزالي على ساحة علم الكلام والفلسفة فقد تجاهلوه تماما: لقد تم تجاهل ردود الغزالي على ابن سينا وكتبت ردود أخرى بديلة، بعيدا عن الجدل والسفسطة التي اتسم بها كتاب الغزالي؛ وأكثر من ذلك تجاهلت هذه الردود البديلة تكفير الغزالي للفلاسفة تجاهلا تاما!

ومن المفارقات اللافتة للانتباه أن البديل الذي دافع عنه الغزالي، وباسمه كفر "الفلاسفة"، وهو "علم الكلام" الذي كان في عصره يحيل إلى المذهب الأشعري، قد لبس هو نفسه "الفلسفة" ولبسته، مباشرة بعد الغزالي ببضعة عقود من السنين، لا غير، واستمر ذلك لقرون طويلة. وكما لاحظ ابن خلدون فقد "توغل المتأخرون (= من متكلمي الأشاعرة) في مخالطة كتب الفلسفة، والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين فحسبوه فيهما واحدا من اشتباه المسائل فيهما". لقد أدلى ابن خلدون بهذه الشهادة بعد وفاة الغزالي بنحو ثلاثة قرون! وهي تصدق على ما بعده، وعلى مدى أزيد من ثلاثة قرون أخرى، كما سنرى.

ولكن ما الذي حدث بالضبط خلال هذه القرون الثلاثة؟

علينا أن ننبه أولا إلى أن ابن خلدون أدلى بهذه الشهادة في خاتمة عرضه لتطور "علم الكلام"، الذي قال عنه إنه: "علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة". (يعني مذهب الأشعرية، وكان معتنقا له). كان ابن خلدون يفكر، إذن، في المذهب الأشعري وحده. وإذا كان المذهب المعتزلي قد حافظ على "أصالته" وعدائه للفلسفة فلم يندمج فيها ولم تندمج فيه –وقد توقف عند النقطة التي تركه فيها كبار شيوخه الذين عاشوا قبل ابن سينا وآخرهم القاضي عبد الجبار، المتوفي سنة 415 هـ، عندما كان ابن سينا ما يزال في مرحلة الدراسة والتأليف- فإن المذهب الشيعي قد لبس هو الآخر الفلسفة السينوية ولبسته. وقد تم له ذلك بحرية أكبر وبصورة أعمق. كيف لا والشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا كان شيعيا إماميا متفتحا على المذهب الإسماعيلي الذي اعتنقه أهله وذووه.

لم تمت الفلسفة التي عارضها الغزالي وكفر أهلها، بل عاشت بعده في المذهب الأشعري نفسه، كما في المذهب الشيعي: عاشت كما أرادها صاحبها، ابن سيناء، أن تكون: بديلا عن علم الكلام، وبالتحديد علم الكلام الأشعري وبعبارة أخرى تحولت إلى فلسفة كلامية معلنة: إلى إيديولوجيا. لنوضح هذه الدعوى ببضع أمثلة:

6 - الغزالي "بلع الفلاسفة وأراد أن يتقياهم فما استطاع"!

1 - لنبدأ بالغزالي نفسه. في الكتاب الذي بين أيدينا، "تهافت التهافت"، يرد ابن رشد على الغزالي الذي خصص كتابه "تهافت الفلاسفة" للرد على ابن سينا أساسا. هذا شيء معروف ومتداول. ولكن السؤال الذي نريد أن نشرك القارئ معنا فيه هو التالي: لماذا توجه الغزالي بالخطاب والنقد والتجريح إلى ابن سينا بالذات (وإلى الفارابي بالعرض، كما يقول القدماء)؟ لماذا سكت سكوتا تاما ومطلقا عن الكندي، مع أنه كان فيلسوفا، وأقرب إلى المعتزلة خصوم الغزالي؟ ولماذا سكت عن فلاسفة آخرين مثل الرازي الطبيب الذي كان أبعد، من ابن سينا والفارابي، عن المنظور التوحيدي، السني والمعتزلي والأشعري والشيعي؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير