تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حرص ابن رشد على تصفية الشريعة من مخالفات الكلاميبن]

ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[21 - 06 - 09, 09:19 م]ـ

حرص الامام ابن رشد على إبقاء الشريعة بعيدة عن العقلين الكلامي والصوفي

كانت غايةالمرحلة الأولى لعلاج مشكل تعدد الحق والعقل تتجه إلى الجمع والتوحيد بين الحكمةوالشريعة، عن طريق التأويل البرهاني ليشكلاشيئا واحدا. أما المرحلة الثانية من علاجه لمسألة التعدد المذكور فتتخذ مسلكامضادا، وهو مسلك الفصل بدل الجمع، لكن ليس بين الشريعة والحكمة، ولكن بصورتين منصورها، هما علم الكلام والتصوف. إن رهان هذه المرحلة هو التربص لخطر تحوّل الفلسفةإلى غيرها، أي تحول الأونطولوجيا إلى تيولوجيا (علم كلام)، أو إلى إنيولوجيا (علم التصوف).

وقد اقتضىمطلب إبعاد الفلسفة عن الانحرافين الكلامي والصوفي من ابن رشد أن يخوض ثلاث معاركفي وجه ثلاثة رموز للثقافة العربية الإسلامية: الغزالي وابن سينا بشكل مباشر، وابنطفيل بشكل غير مباشر. يمثل الغزالي مفكرا جمع بين الذود عن التصوف أولا، والكلامثانيا، والعداء للعلم والفلسفة؛ ويمثل الثاني من هؤلاء الثلاثة الفيلسوف المتواطئضمنا مع علم الكلام والتصوف أما ثالثهم فيمثل الفيلسوف الذي هاجر قارة العلموالفلسفة إلى رحاب ومنازل التصوف. لقد برهن ابن رشد بصراعه في هذه الجبهات الثلاثةأنه كان يتمتع بشجاعة فكرية كبيرة. ذلك أن توجيهه النقد للسلطة المرجعية للدولةالموحدية، أبو حامد الغزالي، ومن خلاله إلى المؤسس الأول والمرجعية المباشرة لهذهالدولة، المهدي بن تومرت لم يكن بالأمر السهل أبداً. كما أن تصديه للتصوف، وهو يعرفحق المعرفة أن صديقه وصديق السلطان ومستشاره، ابن طفيل الذي اختار الانتصار فينهاية الأمر لطريق الذوق بديلا عن لطريق البرهان، يدل على أنه كان غير عابئبالعواقب التي كانت يمكن أن تترتب عن هذه المواجهة.

كانت موضوعات صراعه مع الغزالي تدور في العمق حولنظرته الكلامية للعالم، إن من شأنهذه الرؤية الكلامية للعالم أن تنسف كل إمكانية لقيام علم عام، وعلوم خاصةبالطبيعة والعقل، مما يقضي على كل أمل حقيقي في المخاطبة والتقاول والانفتاح علىالآخر. وقد أعرب أبو حامد نفسه عن عدم حاجة العالم الإسلامي للعلومالوضعية، إلا في حدود ضيقة للغاية عندما تصبح فيها العلوم الوضعية خادمة لعلومالشريعة المتعلقة بالعبادة والمعاملة.

أما نظريته فيالعلاقة بين الفلسفة والعلوم الطبيعية، ففي نظر أبي الوليد لم يراع ابن سينا فيهامبدأ الاستقلال المتبادل بين الفلسفة والعلوم، مما أدى إلى إخضاع العلوم الطبيعيةلعلم ما بعد الطبيعة، وليس العكس كما يذهب إلى ذلك ابن رشد. فأوكل للفلسفة مهمةالبرهنة على مبادئ العلوم التي تحتها، مما يهدد الاستقلال الإبيستيملوجي للعلومبعضها عن بعض. وقد انعكس هذا الطرح على الدليل على وجود الله، حيث استهجن ابن سينا، على العكس من ابن رشد، استعمال الحركة – التي هي موضوع العلم الطبيعي – في التدليلعلى وجود الله، بدعوى عدم شرعية البرهنة بالعرض (الحركة) على الجوهر (الله)، مفضّلاأن ينطلق في البرهنة على وجوده من على قسمة الجدلية للوجود إلى ممكنوواجب.

أما انتقاده للتصوف فيبدو في الظاهر أنه أقل حدةمن انتقاده لعلم الكلام. ونذهب إلى أن السبب في هذه المرونة يعود إلى أن القولالصوفي لا يعرب عن مطامع هيمنية واضحة في الاستحواذ على خطاب الشريعة، والإحاطة بكلأبواب ومنافذ المعرفة النظرية كما هو الأمر بالنسبة لعلم الكلام، وإنما كان يقنعبحصر مجال اهتمامه في هوامش الشريعة، لم يكن ابن رشد يرى فيالقول الصوفي منافسا جديا للقول الفلسفي. ومع ذلك فقد انتقده (لكن بشكل غير مباشرفي الغالب) سواء من جهة الغاية التي ينشدها، أو من جهة الوسائل التي يلتمسها للوصولإلى غايته، أو من جهة رؤيته للعالَم. فبالنسبة لغاية التصوف، لا يمكن لابن رشد أنيقر بإمكانية الوحدة بالمبدأ الأول، أو حتى بإمكانية إدراكه إدراكا مباشرا في هذهالحياة، لعدة أسباب علمية تتصل بنظرية العقل والمعرفة وبنظرية الرؤية البصرية. وأقصى ما يسمح به ابن رشد للفيلسوف أن يبلغة في مسيرة تعاليه هو الاتصال بالمبادئالمفارقة لا بالمبدأ الأول. ومن جهة الوسائل، يعيب ابن رشد على تجربة التصوف أنهاتظل حبيسة المستويات الحسية والعملية. فلا تستطيع تجاوز

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير