تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ألم تر إلى الرجل إذا طارده الأعداء، وضاقت في وجهه السبل. كيف يفر إلى مليكه، يطوف بقصره، ليصرف عنه السوء، ويجيره من أذى العدو؟

كذلك المؤمن إذا حزبته الامور، أو عصفت به الشرور، أو اهتوشته شياطين الفتنة، فر إلى بيت الله حيث يجد في هذا الحمى الأمين راحة لنفسه، وعزاء لقلبه، وأنسا بربه، وقوة تعينه على عدوه.

تبدأ أعمال الحج بالإحرام، وهو نية الحج مع ذكر الله تعالى، فيقول الحاج: اللهم إني أردت الحج ونويته لوجهك الكريم فيسره لي، وتقبله مني، ويسبق ذلك تجرد من الثياب المحيطة، وغسل يطهر به ظاهر الجسد، وتوبة تطهر بها الروح، وارتداء لازار ورداء محيطين غير مخيطين.

وهذا التجرد رمز للتخلي عن الدنيا، وشهواتها ولذاتها، وفتونها، والتأهب للآخرة، والتخفف للسير في طريقها كما أنه يذكره بالموت والغسل والكفن، فيدفع الإنسان إلى الزهد في العاجلة، والعمل للآخرة التي هي الحياة الحق، لا نهاية لها ولا انقضاء.

والتلبية هي الأنشودة القدسية التي تسموا بالنفس إلى عالم القدس، وتعرج بها إلى الملأ الأعلى، حين يهتف الإنسان من كلّ قلبه (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) هذه التلبية تدل على أن العبد لبى دعوة مولاه حين دعاه لزيارة بيته الكريم، ومنحه زاد السفر، والقدرة عليه، كما تذل على أنه أخلص له في سره وعلنه، ولم يجعل له في طوايا قلبه شريكا من مال ولا ولد، ولا أهل ولا وطن، ولا من سادة ولا كبراء، ولا من شياطين الأرض ولا ملائكة السماء، كما تفيد أنه يعتقد أن النعمة التي أسبغت عليه ليست إلاّ منه وحده لا شريك له، وأنه المحمود عليها دون سواه، وعلى أن العبد من أجل ذلك يترك وراءه ماله وولده ووطنه وزراعته، أو تجارته أو صناعته، ويجيء ملبيا دعوة ربه، ملتمسا ما عنده من الخير والرضوان.

والحجيج – وهم يطوفون بالبيت العتيق – يمثلون أمة حزبها أمر من الأمور، ففزعت إلى ملكها تطوف بقصره، وتسأله أن يدفع عنها المكروه، من حلول عدو، أو نزول مجاعة، أو طغيان فيضان، أو يحقق لها المنى، وييسر المطالب، إذ ليس لها من تلوذ ببابه أو تعوذ برحابه سواه.

وإني أتمثلك أيها الصديق العزيز، وأنت ترد في حماستك وغيرتك، على هؤلاء الذين يعترضون على المسلمين الذين يقبلون الحجر الأسود، أو يستلمونه ويقولون، هذه وثنية، إذ كنت تعزو مقالتهم إلى الغباء وضيق الفكر، وتقول: إن الحجر الأسود رمز، وضع في بيت الله العتيق يمثل يمين الله في الأرض يصافح بها عباده.

إن الناس لا يتسنى لهم أن يصافحوا ربهم جل ذكره وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا، والأنبياء –عليهم السلام- الذين إذا بايعهم العبد فكأنما بايع الله لم يجعل لهم الخلد في الأرض، فوضع الحجر الأسود ليكون رمزيا إلى الأبد خالدا للناس.

من شاء أن يعاهد الله منهم على الإيمان والتقوى فليضع يده عليه إن استطاع، وليقبله إن تسنى له ذلك وليشر إليه بيده أو بعصاه إن عجز عن لمسه وتقبيله. فأين الوثنية من هذا المعنى القدسي السامي الذي لا يدركه إلاّ أولو الألباب.

والصفا والمروة من شعائر الله، والسعي بينهما يذكّر بضراعة أم إسماعيل إلى الله تعالى حين أعوزها الماء، ودعت الله دعوة مضطرة، ففجر لها الماء من صميم الصخر. فحين يسعى الحجيج بين الصفا والمروة، يستعيدون هذه الذكريات، ويظهرون ضراعتهم وذلهم وحاجتهم إلى الله فيتولاهم بلطفه ورحمته، ويبدلهم من لدنه رحمة.

والوقوف بعرفات يمثل للأذهان الموقف العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويجتمع الأولون والآخرون في صعيد واحد، ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، فإذا ذكر الحجاج هذا اليوم وأهواله، ومثلوا لبصائرهم كرباته وشدائده حرصوا على أن يقدموا لأنفسهم من الخير والصالحات ما يكون سببا لنجاتهم من تلك الأهوال، وإنقاذهم من هذه الكربات.

وعرفات مؤتمر إسلامي عام يجتمع فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فيتباحثون ويتشاورون فيما يرقي أممهم

دينيا وخلقيا واقتصاديا وسياسيا. حتى إذا عاد كل فريق إلى بلده، حاول أن يدخل فيه الإصلاح ما قبسه من غيره، فيرقى العالم الإسلامي في جميع مناحي الحياة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير