تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن واأسفاه .. إن هذه الحكمة العالية تكاد تكون معطلة، فكثير من الأقطار الإسلامية لا تعرف العربية، وسكان البلاد التي تنطق العربية لا يحسنون لغات هذه الأقاليم، فلا يتسنى التفاهم بين الفريقين.

فلو أن تلك الأقطار حرصت على أن تتعلم اللسان العربي الذي هو لسان القرآن والسنة، اللسان الذي نزلت به الشريعة على خاتم النبيين، لتسنى لهم التفاهم والتخاطب وتبادل الآراء. ولجنى المسلمون من ذلك أطيب الثمرات وأشهاها.

ورمي الجمار: رمز لدحر الشيطان وحزبه، والإعراض عن إغرائه ووسوسته، إذ ليس من أصالة الرأي أن تتحذ الشيطان عدوّا ترجمه وتدحره، ثمّ تعود فتتخذه صديقا، تستجيب لوسوسته وإغرائه.

ولو أن الحاج استحضر هذا المعنى وهو يرمي الجمار، ثم احتفظ بعد ذلك بقوة إرادته وصدق إيمانه، ما كان للشيطان عليه بعد ذلك من سلطان.

ويضيف الشيخ خليل هراس أن بعض أدعياء الثقافة والعلوم العصرية لا يفقهون الحكمة من هذه الفريضة، تراهم يثيرون الشكوك حول كثير من الأعمال التي جعلها الله مناسك للحج، كاستلام الحجر الأسود وتقبيله، ورمي الجمار ونحو ذلك ويتساءلون عن الحكمة فيها، وإذا حاول أحد إقناعهم بما تعكسه هذه الأعمال المختلفة مع ما يلابسها من الأدعية الضارعة والأذكار الخاشعة على النفس من انطباعات وأحاسيس تزيد معنى الإسلام فيها صقلا وجلاء وتشعرها بمعاني العبودية الكاملة الخائفة الراجية، لم يجد الكلام مساغا لدى هذه القلوب الشاردة الغافلة، ولكننا مع ذلك سنحاول جهد الطاقة ان نقرب غليهم هذه المعاني، وإن كنا لا نرى ذلك واجبا، فإن واجب المسلم أن يذعن ويمتثل كل ما أمر به علم الحكمة من ذلك أم لم يعلمها فإن الإعتراض على الأمر إبليسية قديمة أعاذنا الله منها، فالحاج يخرج من بلده بعد أن يكون قد رد الحقوق والودائع إلى أهلها، وتحلل من كل مظلمة ظلمها، تاركا وطنا يحبه ومسكنا يرضاه وأهلا وأولادا يخاف عليهم وتجارة يخشى كسادها، متحملا مشقة السفر وأمل الفراق ووحشة الإغتراب، كل ذلك في سبيل الاستجابة لنداء ربه حيث دعاه لزيارة بيته الذي اختصه لنفسه وجعله أول بيت وضع لعبادته في أرضه.

وما هو إلاّ أن يبلغ الميقات حتى يتأهب للقدوم على مولاه، فيتجرّد من ثياب زينته ويتلفف بثياب العبودية المحضة إزارا ورداء، بعد أن يكون قد إغتسل وتطيب. ثم يهل بعد الصلاة بنسكه من حج أو عمرة، قارنا ذلك بالتلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك – هذه الكلمات التي تفيض بمعاني التوحيد والإخلاص، وتعلن إقبال العبد على ربه وإسراعه في طاعته، وتخص وحده سبحانه بأن له الحمد كله والنعمة والملك وتنفي عنه الشريك في ذلك كله.

ثم بعد ذلك يلتزم في تصرفانه كلها ما التزمه العبد بحضرة سيده، فلا يصدر منه عدوان أصلا، بل كل شأنه سلم وأمان فلا يقتل حيوانا حتى ولو كان من هوام الجسم ولا ينفر صيدا ولا ينتف شعرا ولا يغطي رأسا، متجنبا الرفث والفسوق والمراء والجدال إلى غير ذلك مما يحل بإحرامه حتى يقدم مكة بلد الله الحرام فيبادر إلى أداء مناسك عمرته.

.............................................

(1) – مجلة الهدي النبوي – عدد 12 سنة 1374 ه – مقال (هدي الرسول الأكرم في الحج والعمرة إلى بيت الله المعظم)

(2) – كتاب الإسلام والإيمان والإحسان: تأليف أبي الوفاء درويش

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير