تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أول شيء نبتدئ به أن نطرح هذا السؤال ماذا يعني التخرج بالنسبة إلى أحدنا؟ هل هو الوصول إلى النهاية؟ أم هو بداية عهد جديد في طلب العلم؟ الذي لا شك فيه أن التخرج من الجامعة لا يعني الوصول إلى النهاية، لأن العلم المحصل عليه في السنوات الدراسية ليس هو كل العلم المراد تحصيله، وإنما هو بعضه بل هو مفاتيح في العلوم ومبادئ في العلوم الشرعية التي هي بحر لا ساحل له. والطالب بعد تخرجه أصبح الآن طليقا يطلب العلم بكل حرية بعيدا عن كل قيد يعطله أو يقطعه، إذ بإمكانه أن يختار لنفسه برنامجا مفيدا ينتفع به أكثر من برامج الجامعة التي تعتورها آفات كثيرة في التحصيل؛ ومن أظهرها كثرة المواد العلمية المقررة في السنة الواحدة وتزاحمها وقلة الحجم الساعي المخصص لهذه المواد الدراسية.

وإن أقل ما يكون قد حصله الطالب من دراسته النظامية المبادئ التي تمكنه من الاستمرار في الطلب، وتجعله يعي أسس المنهج الصحيح في التحصيل، وهو المنهج الذي سار عليه العلماء في تكوينهم قديما وحديثا، فالطالب الذي تخلص من التزامات الجامعة يستطيع أن يتفرغ لدراسة العلوم الشرعية علما بعد آخر دون تزاحم، ويمكنه أن يدرس في الفنون كتبا حتى يكملها، فعلى كل طالب منا أن يضع لنفسه برنامجا طويلا المدى يدرس فيه العلوم الشرعية جميعها شيئا فشيئا، وعليه أن يصبر على هذا البرنامج ولن يندم بإذن الله تعالى، لأن هذا هو الطريق الموصل إلى إتقان العلوم والتمكن منها.

الإلمام بمبادئ العلوم يفترض في المتخرج من الجامعة أنه قد حصله، وهو إذا أتم ذلك على أحسن وجه يحتاج إلى إعادة تنظيم لتلك المعلومات والفوائد التي حصلها، لأن المقررات الجامعية لا تعتمد على كتب جامعة ألفها العلماء وإنما هي مذكرات تحوي نتفا من مسائل العلم، ويتأكد ذلك في واقعنا حيث نجد المتخرج في أكثر الأحيان قد حصل مسائل في الأصول ومسائل في الحديث وأخرى في الفقه، والذي يريد أن ينظم تلك المسائل المدروسة ويضم إليها ما أسقط وترك في تلك المقررات عليه أن يدرس كتبا في تلك العلوم وضعها العلماء المتخصصون.

ولا يستعجل الطالب في التحصيل، فإذا طالت مدة دراسة الكتاب فذلك أنفع له، وخاصة أن بعض العلوم معروفة بالطول، فأما علوم الآلة فمحدودة في أصلها لولا ما اعتراها من الأمور الإضافية والملح، بخلاف علم الفقه فإن أبوابه عديدة ومسائله كثيرة ومدة دراسته من أوله إلى آخره لا بد أن تكون طويلة، بل ويبقى الطالب يعيش مع هذا العلم يراجع مسائله ويتفقه فيها ويردها إلى أدلتها من الكتاب والسنة إلى أن يتوفاه المولى عز وجل، وطلب العلم لا حد له ولا سن له، وقد قيل للإمام أحمد إلى متى المحبرة؟ فقال: إلى المقبرة، فيبقى الطالب دائما يحصل، ويبقى دائما يعتبر نفسه طالب العلم لا أثر لتخرجه ولا لتصدره ولا إمامته في ذلك.

الخلاصة أن التخرج لا يعني الوصول ولا يعني التوقف عن طلب العلم، وإن التوقف عن تحصيل العلم وترك طلب العلم بمثابة التولي يوم الزحف، لأن طلب العلم الشرعي والتخصص فيه من الفروض الكفائية، والفروض الكفائية تتعين على من قدر عليها وعلى من شرع فيها، كمن خرج إلى الجهاد تعين عليه لو كان ذلك الجهاد فرضا كفائيا ولو رجع بعد خروجه كان ذلك من الكبائر، وهو التولي يوم الزحف الذي ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في السبع الموبقات، وكذلك طلب العلم جهاد وتبليغه جهاد فمن تركه بعد الشروع فيه كان حكمه حكم من تولى يوم الزحف والله أعلم.

ثانيا: أسباب الاستمرار في طلب العلم

لا شك أن انتساب الواحد منا إلى الجامعة الإسلامية كان سببا من أسباب تفرغه لطلب العلم، إذ لولا ذاك لتخصص في علوم أخرى من العلوم الدنيوية، وذلك يمنعه من التفرغ لتحصيل العلوم الشرعية ومن التخصص فيها، والآن بعد التخرج من الجامعة نحتاج إلى الحديث عن أسباب أخرى من أسباب الاستمرار في الطلب.

1 - الدعوة إلى الله والخروج إلى الميدان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير