[هدية للشيخ الفقيه عن تخليط الحاكم في المستدرك]
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[25 - 12 - 02, 09:34 ص]ـ
في موضوع لم أحفظ رابطه، ذكر الشيخ أبو عمر قصة تدل على تناقض الحاكم بين المستدرك وما قبله. مما دفعني لكتابة هذا الموضع في توضيح المزيد عن منهج الحاكم.
قال الذهبي عن الحاكم في "ميزان الاعتدال" (6\ 216): «إمامٌ صدوق، لكنه يصحّح في مُستدرَكِهِ أحاديثَ ساقطة، ويُكثِرُ من ذلك. فما أدري، هل خفِيَت عليه؟ فما هو ممّن يَجهل ذلك. وإن عَلِمَ، فهذه خيانةٌ عظيمة. ثُم هو شيعيٌّ مشهورٌ بذلك، من غير تَعَرّضٍ للشيخين ... ».
وذكر ذلك ابن حجر في لسان الميزان (5\ 232) ثم قال: «قيل في الاعتذار عنه: أنه عند تصنيفه للمُستدرَك، كان في أواخِر عمره. وذَكر بعضهم أنه حصل له تغيّر وغفلة في آخر عمره. ويدلّ على ذلك أنه ذَكر جماعةً في كتاب "الضعفاء" له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم. ثم أخرج أحاديث بعضهم في "مستدركه"، وصحّحها! من ذلك أنه: أخرج حديثا لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وكان قد ذكره في الضعفاء فقال أنه: "روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا تخفى على من تأملها –من أهل الصنعة– أن الحِملَ فيها عليه". وقال في آخر الكتاب: "فهؤلاء الذين ذكرتهم في هذا الكتاب، ثبَتَ عندي صِدقهُم لأنني لا أستحلّ الجّرحَ إلا مبيّناً، ولا أُجيزُه تقليداً. والذي أختارُ لطالبِ العِلمِ أن لا يَكتُبَ حديثَ هؤلاءِ أصلاً"!!».
قلت: و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيفٌ جداً، حتى قال عنه ابن الجوزي: «أجمعوا على ضعفه». وقد روى له الحاكم عن أبيه! وكذلك كان يصحّح في مستدركه أحاديثاً كان قد حكم عليها بالضعف من قبل. قال إبراهيم بن محمد الأرموي: «جمع الحاكم أحاديث وزعم أنها صِحاحُ على شرط البخاري ومسلم، منها: حديث الطير و "من كنت مولاه فعلي مولاه". فأنكرها عليه أصحاب الحديث، فلم يلتفتوا إلى قوله». ثم ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ (3\ 1042) أن الحاكم سُئِل عن حديث الطير فقال: «لا يصح. ولو صَحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي ?». قال الذهبي: «ثم تغيّر رأي الحاكم، وأخرج حديث الطير في "مُستدركه". ولا ريب أن في "المستدرَك" أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة. بل فيه أحاديث موضوعة شَانَ "المستدرك" بإخراجها فيه». قلت: ولا نعلم إن وصل التشيع بالحاكم لتفضيل علي على سائر الصحابة بعد تصحيحه لحديث الطير.
لكن التخليط الأوضح من ذلك هو الأحاديث الكثيرة التي نفى وجودها في "الصحيحين" أو في أحدهما، وهي منهما أو في أحدهما. وقد بلغت في "المستدرك" قدراً كبيراً. وهذه غفلةٌ شديدة. بل تجده في الحديث الواحد يذكر تخريج صاحب الصحيح له، ثم ينفي ذلك في موضعٍ آخر من نفس الكتاب. ومثاله ما قال في حديث ابن الشخير مرفوعاً "يقول ابن آدم مالي مالي ... ". قال الحاكم: المستدرك على الصحيحين (2\ 582): «مسلم قد أخرجه من حديث شعبة عن قتادة مختصَراً». قلت: بل أخرجه بتمامه #2958 من حديث همام عن قتادة. ثم أورده الحاكم بنفس اللفظ في موضعٍ آخر (4\ 358)، وقال: «هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخرِجاه».
على أية هذا فلا يعني هذا حصول تحريف في إسنادٍ أو متنٍ، لأن رواية الحاكم كانت من أصوله المكتوبة لا من حفظه. وإنما شاخ وجاوز الثمانين فأصابته غفلة، فسبب هذا الخلل في أحكامه على الحديث. عدا أن غالب "المستدرك" هو مسودة مات الحاكم قبل أن يكمله. مع النتبه إلى أن الحاكم كان أصلاً متساهلاً في كل حياته، فكيف بعد أن أصابته الغفلة ولم يحرّر مسودته؟
فالخلاصة أننا نصحح ضبط الحاكم للأسانيد، ولكننا نرفض أحكامه على الأحاديث في "المستدرك" كليّةً، ونعتبر غيرها خارج "المستدرك".
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[25 - 12 - 02, 10:15 ص]ـ
قال ابن القيم في "الفروسية" (ص81): «وأما تصحيح الحاكم فكما قال القائل:
فأصبحتُ من ليلى –الغداةَ– كقابضٍ * على الماء خانته فروجُ الأصابع
ولا يعبأ الحفاظ أطِبّاء عِلَل الحديث بتصحيح الحاكم شيئاً، ولا يرفعون به رأساً البَتّة. بل لا يعدِلُ تصحيحه ولا يدلّ على حُسنِ الحديث. بل يصحّح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم بالحديث. وإن كان من لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك، فليس بمعيارٍ على سنة رسول الله، ولا يعبأ أهل الحديث به شيئاً. والحاكم نفسه يصحّح أحاديثَ جماعةٍ، وقد أخبر في كتاب "المدخل" له أن لا يحتج بهم، وأطلق الكذب على بعضهم هذا». انتهى.
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[25 - 12 - 02, 03:51 م]ـ
؟؟
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[25 - 12 - 02, 03:56 م]ـ
الحاكم إمام من الأئمّة وحافظ من الحفّاظ على ما فيه من تساهل. لذلك فإنّ وجود هذا العدد الكبير في أخطائه في العزو إلى الصحيحين بحاجة إلى تأمّل.
فلعلّ نسخته من الصحيحين كان فيها شيء. أو أنّ له اصطلاحاً خاصاً في بعض ما يستعمله من عبارات.
والله أعلم.
ـ[الدرع]ــــــــ[25 - 12 - 02, 04:47 م]ـ
إن الذي يقرأ كتاب (معرفة علوم الحديث) للحاكم، ثم ينظر إلى تطبيقه العملي في (المستدرك) لا يصدّق أنهما لمؤلف واحد!
فهو القائل في كتابه (معرفة علوم الحديث) ص108:
(إن الصحيح لا يعرف برواته فقط وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع؛ وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث، فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرّجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحب الحديث التنقير عن علته، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته) أهـ
وأجمل ما قيل في الإعتذار عنه: بأن المستدرك كان مجرد مسودّة فوافته المنيّة قبل أن يبيّضه.
وكلكم يعرف أن كتابة البحث تمرّ بمراحل، وفي مرحلة التبييض يحذف الباحث الكثير من المسودّة، ربما نصفها أو يزيد، وهذه المرحلة لم يدركها الحاكم، فرحمه الله رحمة واسعة.
¥