أحدها أن فيه تخطئة رسول الله فإن النبي لم يأمر أحدا من أمته بعلم الكلام والنظر في أدلة العقول ليعرف به صحة معتقده بل قنع منهم بمجرد الإسلام وقال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل أفترى بكون النبي مخطئا في قبول ذلك منهم وقناعته بمجرد إسلامهم من أن يتعلموا علم الكلام وينظروا في العرض والجوهر والجسم ويكون المتكلمون هم المصيبون في خطأ من لم يتعلم ذلك ولم ينظر فيه فإن كان هذا هكذا فليدعوا لأنفسهم شريعة ودينا غير دين الإسلام ويدعوا دين محمد
الثاني أن تكليف العامة الاجتهاد تكليف ما لا يطاق فإنهم لو اشتغلوا بعلم ما يصيرون به مجتهدين لانقطعوا عن المعايش والحراثة والزراعة وخربت الدنيا وهلك الخلق وانقطع النسل وترك الجهاد وخربت الدنيا ولا سبيل إلى هذا وقد قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
الثالث أن الإجماع منعقد على أن العامة لا يكلفون الاجتهاد في أحكامهم وأن لهم تقليد العلماء في أمورهم وكذلك أمرهم الله تعالى بسؤال علمائهم فقال فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
الرابع أن في القول بوجوب الاجتهاد على الكل حكما على عامة الخلق بالضلال لتضييعهم الواجب عليهم وإنما الذي قيل إنه لا يجوز لهم التقليد هو الأمر الظاهر الذي قد علموه لظهوره من غير احتياج إلى تعب ولا فكر ولا نظر كتوحيد الله سبحانه وتعالى ورسالة محمد ومعرفة وجوب الصلوات الخمس وصوم رمضان وسائر الأركان التي اشتهر وجوبها وعلم ذلك بالإجماع عليها فلا يحتاج فيه إلى بحث ولا نظر فهذا لا يجوز تقليدهم فيه
وأما دقائق الاعتقادات وتفاصيل أحكام العبادات والبياعات فما يقول بوجوب اجتهادهم فيها إلا جاهل وهو باطل بما ذكرناه
ثم إن اغتر مغتر بقول ابن عقيل هذا ولم يقنع باتباع سلفه ولا رضي باتباع أئمته ولم يجوز تقليدهم في مثل السكوت عن تأويل الصفات التي وقع الكلام فيها فكيف يصنع فهل له سبيل إلى معرفة الصحيح من ذلك باجتهاد نفسه ونظر عقله ومتى ينتهي إلى حد يمكنه التمييز بين صحيح الدليل وفاسده فهذا ابن عقيل الذي زعم أنه استفرغ وسعه في علم الكلام مع الذكاء والفطنة في طول زمانه ما أفلح ولا وفق لرشد بل أفضى أمره إلى ارتكاب البدع المضلات والخطأ القبيح ومفارقة الصواب حتى استتيب من مقالته وأقر على نفسه ببدعته وضلالته
فأنت أيها المغتر بقوله هذا متى تبلغ إلى درجته فإذا بلغتها فما الذي أعجبك من حالته حتى تقتدي به وقد ذكرنا ما قاله الأئمة في ذم الكلام وأهله ونسأل الله السلامة
الوجه الخامس إننا إذا نظرنا في الدليل وجدناه يقضي خلاف ما دعا
إليه ابن عقيل من الإيمان بالآيات وأخبار الصفات مع الإقرار والتسليم وترك التأويل والتعطيل والتشبيه والتمثيل على ما هو مذهب السلف الصالح والأئمة المرضيين رحمة الله عليهم أجمعين
وبيان ذلك من وجوه تسعة
أحدها قول الله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فذم متبع التأويل وقرنه بمبتغي الفتنة في الذم وجعل ابتغاءه لذلك علامة على الزيغ فدل ذلك على أن ابتغاءه غير جائز ثم قطعهم عما أملوه وحجبهم عن بلوغ ما ابتغوه بقوله سبحانه وتعالى وما يعلم تأويله إلا الله ثم قال سبحانه وتعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ثم سألوا ربهم أن لا يجعلهم مثل متبعي التأويل الزائغين فقالوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
الوجه الثاني أنه لو كان تأويل ذلك واجبا لبينه النبي لأمته فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقته ولأنه لو وجب علينا التأويل لوجب عليه فإنه مساو لنا في الأحكام ولو وجب عليه لما أخل به ولأنه حريص على أمته لم يكتم عنهم شيئا أمره الله به وقد قال الله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته
الوجه الثالث أنه قد ثبت أن مذهب السلف رضي الله عنهم ومن بعدهم من الأئمة في هذه الآيات الإقرار والإمرار والرضاء والتسليم من غير تأويل ولا تعطيل وقد بينا بالدليل أن مذهبهم الحق وأنهم على الهدى المستقيم فلا يجوز مخالفة سبيلهم ولا العدول عن طريقهم
¥