[هل يجوز التقليد في مسائل الاعتقاد؟]
ـ[الطارق بخير]ــــــــ[11 - 01 - 03, 06:21 م]ـ
قال العلامة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - في شرحه للسفارينية:
[الفصل والأبيات للسفاريني، والشرح لابن عثيمين].
" فصل
في إيمان المقلد
وكل ما يطلب في الجزم، فمنع تقليد بذاك جزم
كل شيء يطلب فيه الجزم يجب أن يجتهد الإنسان فيه كل شيء يطلب فيه الجزم فإنك لا تقلد فيه يجب أن تعرف الحكم من الكتاب والسنة،
وعلى هذا فالعوام الآن الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، لو قالوا: نحن لا نعرف، لكن نسمع علماؤنا يقولون هكذا فآمنا،
نقول على كلام المؤلف: أن إيمانهم ليس بصحيح،
لأن الذي يطلب فيه الجزم لا بد أن يكون عن اجتهاد ولا يصح أن يكون عن تقليد،
لكن هذا القول ضعيف جداً،
ولهذا قال:
وقيل يكفي الجزم إجماعا بما، يطلب فيه عند بعض العلما
يعني: قال بعض العلماء: بل يصح التقليد فيما يطلب فيه الجزم وهذا القول هو الراجح،
المسائل العملية يجوز فيها التقليد بالاتفاق، كالوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك، فهذه يجوز فيها التقليد بالاتفاق، ولا يمكن أن يلزم الإنسان الناس بالاجتهاد، لأن الاجتهاد في هذا صعب، والعامة لا يمكن أن يقرؤوا كتب الفقه،
أما مسائل العقيدة التي يجب على الإنسان فيها الجزم:
فقد اختلف العلماء: هل يجوز فيها التقليد أو لا بد من الوقوف على الدليل؟
ولا شك أن الوقوف على الدليل أولى حتى في المسائل العملية،
لأن الإنسان إذا بني عقيدته أو عمله على الدليل استراح وصار يعلم الآن أنه يمشي في طريق صحيح،
لكن إذا لم يمكن فهل يكفي التقليد أو لا يكفي؟
في هذا خلاف بين أهل العلم:
1. فمنهم من قال: إنه يكفي،
2. ومنهم من قال: إنه لا يكفي،
ولكن الحقيقة أنه لا يمكن أن نقول: إن جميع مسائل العقيدة يجب فيها اليقين،
لأن من مسائل العقيدة ما اختلف فيه العلماء،
وما كان مختلفاً فيه بين أهل العلم فليس يقينياً، لأن اليقين لا يمكن نفيه أبداً،
فمثلاً اختلف العلماء في عذاب القبر هل هو على البدن أو على الروح؟
واختلف العلماء في الذي يوزن هل هي الأعمال أو صحائف الأعمال أو صاحب العمل؟
واختلف العلماء في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الدنيا؟
واختلف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه هل رآه بعينه – يعني في الحياة – أو رآه بقلبه؟
واختلف العلماء في النار هل هي مؤبدة أو مؤمدة؟
وكل هذه من العقائد،
والقول: بأن (العقيدة ليس فيها خلاف على الإطلاق) غير صحيح،
فيه من مسائل العقيدة ما يعمل فيه الإنسان بالظن،
مثلاً: في قوله تعالى: (من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً)، لا يجزم الإنسان بأن المراد القرب الحسي، فإن الإنسان لا شك ينقدح في ذهنه أن المراد بذلك القرب المعنوي،
(من أتاني يمشي أتيته هرولة)، هذا أيضاً لا يجزم الإنسان بأن الله يمشي مشياً حقيقياً هرولة،
ولهذا اختلف علماء أهل السنة في هذه المسألة هل هو هذا أو هذا؟
فأنت إذا قلت هذا أو هذا لست تتيقنه كما تتيقن نزول الله عز وجل الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا)
هذا لا يشك فيه الإنسان أنه نزول حقيقي،
وكما في قوله: {استوى على العرش} (الأعراف 54)
لا يشك الإنسان أنه استواء حقيقي،
فالحاصل: أن مسائل العقيدة ليست كلها مما لا بد فيه من اليقين،
لأن اليقين أو الظن حسب تجاذب الأدلة وتجاذب الأدلة حسب فهم الإنسان وعلمه،
قد يكون هذان الدليلان متجاذبين عند شخص، ولكن عند شخص آخر ليس بينهما تجاذب إطلاقاً وقد اتضح عنده أن هذا له وجه وهذا له وجه،
فمثل هذا الأخير ليس عنده إشكال في المسألة بل عنده يقين، والأول يكون عنده إشكال،
وإذا رجّح أحد الطرفين فإنما يرجحه بغلبة الظن،
لهذا لا يمكن أن نقول: إن جميع مسائل العقيدة مما يتعين فيه الجزم، ومما لا خلاف فيه،
لأن الواقع خلاف ذلك، ففي مسائل العقيدة ما فيه خلاف،
وفي مسائل العقيدة ما لا يستطيع الإنسان أن يجزم به، لكن يترجح عنده،
إذًا هذه الكلمة التي نسمعها بأن (مسائل العقيدة لا خلاف فيها) هذه ليست على إطلاقها،
¥