تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل ابن قدامة مفوِّض؟ حلُّ إشكال في (اللمعة)

ـ[ذو المعالي]ــــــــ[26 - 03 - 02, 05:45 ص]ـ

هذا تحرير لمسألة مهمة ذكرها الإمام ابن قدامة _ رحمه الله _ في (اللمعة) فقال: [و ما أشكل من ذلك _ أي الصفات _؛ وجب إثباته لفظاً و ترك التعرض لمعناه].

و هذه الكلمة قد أورثت إشكالاً كبيراً بين العلماء في: ما المراد بها، و ما هو مذهب ابن قدامة في الصفات؟

و قبل الولوج في تحرير مراد ابن قدامة من هذه اللفظة التي ذكرها في (اللمعة) أبيِّن مسألة نفيسة ينبني عليها هذا التحرير، و هي:

أن الصفات بالنسبة لمعانيها نوعان:

الأول: صفات معناها واضح جلي.

الثاني: صفات معناها مشكل خفي.

فالواجب في الأول أمران:

أحدهما: الإيمان بها لفظاً.

ثانيهما: الإيمان بالمعنى الظاهر منها.

و أما الثاني فالواجب فيه أمران _ أيضاً _:

أولهما: الإيمان بها لفظاً.

ثانيهما: ترك التعرض لمعناها.

قال شيخنا العلامة الفقيه محمد بن صالح العُثَيْمِيْن _ رحمه الله _: (و الواجب عند الإشكال اتباع ما سبق من ترك التعرض له و التخبط في معناه) ().

و أما كلمة الموفق فإن أهل العلم لهم فيها أربعة توجيهات:

الأول: أنه قول المفوضة، و قال به العلامة محمد بن إبراهيم (فتاويه 1/ 202 - 203)، و العلامة عبد الرزاق عفيفي (فتاويه 1/ 153).

بل نصَّ الثاني على أنه مفوِّض، و برأه الأول من التفويض _ و هو الحق _.

الثاني: أن المراد بقوله: (و ترك التعرض لمعناه) أحد أمرين:

أحدهما: الكيفية.

الثاني: المعنى الباطل.

و مما يؤيد هذا _ و أنه هو من مراده بهذه اللفظة _ استدلاله بقول الإمام أحمد: (لا كيف و لا معنى) أي: لا تعرضاً للكيفية، و لا ذكراً للمعاني الباطلة التي تنزه عنها الصفات.

الثالث: أن مراده تفويض الصفة التي أشكل عليه معناها، و هذا ظاهر كلامه.

قلت: و هذا هو الحق _ عندي _ و هو الذي يجب حمل كلامه عليه، لأدلة:

الأول: قوله: (و ما أشكل) فلم يرد مطلق التفويض لمعاني الصفات.

الثاني: آية آل عمران (7)، فقد قال في الروضة (1/ 281): (و لأن قولهم (آمنا به) يدل على نوع تفويض و تسليم لشيء لم يقفوا على معناه …).

و لا شك أن مراده تفويض المعنى المشكل.

الثالث: أن الآية فيها أن التشابه في الأدلة أمر نسبي؛ فقد يشكل نص على عالم، و ليس هو كذلك عند غيره.

ثم _ أيضاً _ إن الواجب إرجاع هذه اللفظة المشكلة من كلام الموفق _ رحمه الله _ إلى سائر كلامه في كتبه _ كما في رسالته (اللمعة) من تقريره الصفات على منهاج أهل السنة ()، و اعتقاده المشهود له به من قِبَلِ من ترجم له من أهل السنة.

الرابع: أن مراده بتلك القولة هو تفويض المعنى المراد عند الجهمية، و دليل ذلك استدلاله بقول الإمام أحمد: (لا كيف و لا معنى).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _مبيناً معنى كلمة الإمام أحمد _: (و المنتسبون إلى السنة من الحنابلة و غيرهم الذين جعلوا لفظ التأويل يعم القسمين يتمسكون بما يجدونه فى كلام الأئمة في المتشابه مثل قول أحمد فى رواية حنبل و لا كيف و لا معنى ظنوا أن مراده أنا لا نعرف معناها و كلام أحمد صريح بخلاف هذا في غير موضع و قد بين أنه إنما ينكر تأويلات الجهمية و نحوهم الذين يتأولون القرآن على غير تأويله) [الفتاوي 17/ 363].

ثم قال: (فنفى أحمد قول هؤلاء و قول هؤلاء قول المكيفة الذين يدعون أنهم علموا الكيفية و قول المحرفة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه و يقولون معناه كذا و كذا) [17/ 364].

و لِيُعْلَمْ أن الأخذ بهذه الكلمة الموهمة و جعلها مذهباً للموفق دون الرجوع إلى مذهبه في سائر كتبه أمر لا يجوز الحكم من خلاله على الموفق، و هو حكم خالٍ من التحقيق.

ثم _ أيضاً _ إن الموفق _ رحمه الله _ لم يُبَيِّن أن هذا هو مذهبه، بل إنه قرَّرَ منهجاً عاماً، و هذا فيه فائدة قلَّ من تنبه لها أحد؛ و هي: أنه سدَّ باب الخوض في الصفات بغير حق، و التكلف في تتبع الكيفيات، و ضرب المعاني الباطلة لصفات الله _ تعالى _.

ـ[عبدالله العتيبي]ــــــــ[26 - 03 - 02, 11:42 ص]ـ

شيخنا العالي ذو المعالي:

شكرا لك ووفقت دوما.

هل هناك من العلماء من تكلم في شيء من عقيدة ابن قدامة؟؟.

ـ[ذو المعالي]ــــــــ[26 - 03 - 02, 12:42 م]ـ

أخانا المفضال، الراغب في الكمال / عبد الله العتيبي (رزقت علماً نافعاً، و عملاًُ متقبلا)

ابن قدامة _ رحمه الله _ إمام سنة، و معروف اعتقاده السلفي الصجيح، و مشهود له بذلك من أئمة السنة الحنابلة.

و لا يجادل في ذلك إلا من لم يعرف من هو ابن قدامة ...

و لكن جاءت هذه الكلمة التي سطَّرها في كتابه (اللمعة) فأورثت شبهة على البعض، و إلا فهي كما قرَّرت لك ظاهر منها الصحة، و بائن منها الصواب.

و كلامه هذا لو أخذناه من باب المتشابه في كلامه فإننا _ وجوباً _ نردُّه إلى المحكم من كلامه، و هو نوعان:

الأول: ما قرَّه في كتبه من صحة اعتقاده و سلامة ديانته.

و ذلك منثور في مجموعة من كتبه، منها (اللمعة).

الثاني: ما عرف عنه من سلامة الاعتقاد، و شهادة العلماء له.

و الله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير