تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[العذر بالجهل في أصول الدين]

ـ[أحمد نجيب]ــــــــ[13 - 09 - 03, 08:59 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[العذر بالجهل في أصول الدين]

السؤال:

أنا حديث عهد بمعرفة مذهب السلف الصالح في كثير من مسائل العقيدة و منها ما يتعلّق بأسماء الله تعالى و صفاته، و سؤالي عن أبويّ و من في منزلتهما من التقدم في السن و التأخر في العلم، حيث أفضى بعضهم إلى ما قدم و هو جاهل بمذهب السلف في مسائل الإيمان و الصفات و نحوها من دقائق مسائل المعتقد، فهل هم معذرون بجهلهم في ذلك أم لا؟

الجواب:

أقول مستعيناً بالله تعالى:

من المعلوم ضرورةً أن النبي صلى الله عليه و سلَّم قد بلَّغ الرسالة و أدى الأمانة، و كان ممّا بلَّغه لأمته مسائل الإيمان و الكفر، و إن كان ذلك على سبيل الإجمال في بيان المكفِّرات، دون تعداد آحاد المسائل القولية و الفعلية التي يكفر صاحبها، و على هذا الأساس ساغ اختلاف الأمَّة في التكفير ببعض الذنوب كترك الصلاة، و تعاطي السحر، و اتِّخاذ سبِّ الصحابة و تكفيرهم ديناً؛ و إن كان الحقُّ فيها واحداً لا يتعدد و إن خفي على بعض أهل العلم.

غير أن عدم بيان المكفرات على سبيل الإفراد و التعداد منه صلى الله عليه و سلم لمن يدخل الإسلام من آحاد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، لا يلزم منه أنَّها غير معلومة لمن تتبع نصوص الشريعة كتاباً و سنَّة، بل هي معلومة على وجه الإجمال، و إن تعدَّدت صورها، و جدَّت صور من المكفِّرات اللفظية و الفعلية في العصور المتأخرة، كسبّ الصحابة و اتِّخاذه ديناً، و ردِّ التحاكم إلى ما أنزل الله جملةً و استبداله بزبالات الأذهان، و أهواء بني الإنسان، فهذا كله لم يكن له و جود في الصدر الأوَّل، و ربَّما لم يكن يخطر ببال أحدٍ من السلف أن يوجد في يوم من الأيام.

قال أبو محمد بن حزم الظاهري رحمه الله: مَن ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدَع أحداً يُسلم حتى يوقِفَه على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمين من أهل الأرض، و قال ما يدري أنه فيه كاذب، و ادعى أن جميع الصحابة رضي الله عنهم تواطئوا على كتمان ذلك من فعله عليه السلام، و هذا المحال ممتنع في الطبيعة، ثم فيه نسبة الكفر إليهم؛ إذ كتموا ما لا يتم إسلام أحد إلا به. و إن قال: إنه صلى الله عليه و سلم لم يدع قط أحد إلى شيء من هذا، و لكنه مودع في القرآن، و في كلامه صلى الله عليه و سلم قيل له: صدقت) [الفصل في الملل والأهواء والنحل: 3/ 141].

قلت: و بناءً على هذا الأصل وقع الخلاف بين أهل العلم في مسألة العذر بالجهل في أصول الدين، أو عدَمه، فذهب جلُّهُم إلى اعتبار العذر بالجهل ممن لم تُقَم عليه الحجَّة، و ذهب آخرون إلى عدم اعتباره.

و الأدلَّة الشرعية تشهد لمذهب الجمهور، و هم القائلون: يُعذَر الجاهل بجهله في أصول الدين ما لم تبلغه الحجَّة، و هذا فيما إذا كان مِثْلُه يجهلها لبُعده عن ديار الإسلام، أو عدَم من يُعلِّمه، أو نحو ذلك، و قد قرر هذا عدد من الأئمة الأعلام، كالإمام الشافعي رحمه الله، فقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي يقول: (لله أسماء و صفات لا يسع أحدا ردها، و من خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، و أما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل و لا الرؤية و الفكر)

و قال ابن عبد البر رحمه الله: (من جهل بعض الصفات وآمن بسائرها لم يكن بجهل البعض كافرا لأن الكافر من عاند لا من جهل، و هذا قول المتقدمين من العلماء و من سلك سبيلهم من المتأخرين) [التمهيد: 18/ 42].

و إلى هذا ذهب ابن حزم الظاهري، الذي أفاض في تقرير عُذر الجاهل ما لم يبلُغه الحقُّ فيعاند، و سنذكر بعض قوله في هذا لاحقاً إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير