"وحاصل كلام المفسرين أن الله تعالى نهى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو من دونه ما لا ينفعه ولا يضره، والمراد به كل ما سوى الله فإنهم لا ينفعون ولا يضرون، وسواء في ذلك الأنبياء والصالحون وغيرهم كما قال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) (الجن: 18). وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: " إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك " (رواه الترمذي (4/ 667) وقال: حسن صحيح).
وفي الآية تنبيه على أن المدعو لابد أن يكون مالكاً للنفع والضر حتى يعطي من دعاه أو يبطش بمن عصاه، وليس ذلك إلا لله وحده، فتعين أن يكون هو المدعو دون ما سواه. وقوله: (فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) أي من المشركين.
وهذا كقوله: (فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين) (الشعراء: 213).
وقوله: (ولقد أحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) (الزمر: 65) وقوله في الأنبياء: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) (الأنعام: 88) " اهـ " تيسير العزيز الحميد " (ص236 - 237).
وقد بين سبحانه في كتابه في أكثر من موضع أنه هو وحده الذي يملك النفع والضر، لا يملكه أحد غيره، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأكرمهم وأعظمهم جاهاً، لا يملك لنفسه النفع والضر، فضلاً عن أن يملك إيصاله للغير. قال تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) (الأعراف: 188). وقال تعالى: (قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله) (يونس: 49).
قال ابن جرير رحمه الله: " أي: لا أقدر لها على ضر ولا نفع في دنيا ولا دين، (إلا ما شاء الله) أن أملكه فأجلبه إليها بإذنه " اهـ " تفسير ابن جرير" (15/ 100).
فإذا كان صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً في دنيا ولا دين فكيف يملك شيئاً من ذلك لغيره من العالمين؟!
ومع وضوح هذا القياس وجلائه، أن من لا يملك لنفسه، أولى وأحرى أن لا يملك لغيره، فقد جاء مصرحاً به في قوله تعالى: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) (الجن: 21).
كما صرح به هو صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه محبةً ونسباً ورحماً ولحمة، فقال: " يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبدالمطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً " (متفق عليه " اللؤلؤ والمرجان " (1/ 52)، فبأي حديث بعده يؤمنون؟!
وقد أمر الله عز وجل عباده بتوحيده في القصد والدعاء والطلب، في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، كقوله تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين) (غافر:65).
وأخبر سبحانه عن إمام الحنفاء قوله: (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (الأنعام: 79).
وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين " (رواه مسلم (771)).
ومما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذكر والدعاء عند النوم أن يقول: " اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك " .. الحديث. (متفق عليه " اللؤلؤ والمرجان " (3/ 230)).
وينقض المخالف ذلك كله ويقول: " لك وجهي وجهت يا أبيض الوجه، فوجه إليه وجه الولي ". وهذا عين الكفر والمحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، إذ صرف وجهه عن الخالق إلى المخلوق وعن الرب المالك المدبر إلى المملوك المربوب.
ومقتضاه كما هو ظاهر اللفظ: أنه وجَّه وجهه وأسلمه لمعبوده وحده، وهو النبي صلى الله عليه وسلم دون سواه، وهذا مستفاد من تقديم المعمول على العامل في قوله: "لك وجهت" الذي يفيد الحصر.
¥