وعبدالله بن مسعود وابن عباس وجابر وأبو الدرداء.
وكذلك روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هؤلاء من الصحابة. ومن غيرهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبدالله بن المبارك وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة زهير بن حرب.
قال المانعون من التكفير: يجب حمل هده الأحاديث وما شاكلها على كفر النعمة دون كفر الجحود فقوله: [من تعلم الرمي ثم تركه فهي نعمة قد كفرها] وقوله: [لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم]، وقوله: [تبرؤه من نسب وإن دق كفر بعد إيمان] وقوله: [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر]،: وقوله: [من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد]، وقوله: [من خلف بغير الله فقد كفر] رواه الحاكم في صحيحه بهذا اللفظ، وقوله: [ثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في الأنساب والنياحة عن الميت] ونظائر ذلك كثيرة.
قالوا: وقد نفي النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتسب. ولم يوجب زوال هذا الاسم عنهم كفر الجحود والخلود في النار، فكذلك كفر تارك الصلاة ليس بكفر جحود ولا يوجب التخليد في الجحيم وقد قال النبي: [لا إيمان لمن لا أمانة له] فنفى عنه الإيمان، ولا يوجب ترك أداء الأمانة أن يكون كافراً كفراً ينقل عن الملة وقد قال ابن عباس في قوله تعالى?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون? (المائدة:44) ليس بالكفر الذي يذهبون إليه. وقد قال طاووس: سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال: هو به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله. وقال أيضاً: كفر لا ينقل عن الملة. وقال سفيان عن ابن جريج عن عطاء: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق.
فصل في الحكم بين الفريقين، وفصل الخطاب بين الطائفتين:
معرفة الصواب في هذه المسألة مبني على معرفة حقيقة الإيمان والكفر، ثم يصح النفي والإثبات بعد ذلك. فالكفر والإيمان متقابلان، إذا زال أحدهما خلفه الآخر.
ولما كان الإيمان أصلاً له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى إيماناً، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصيام، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والخشية من الله والإنابة إليه، حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان. وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً: منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب.
وكذلك الكفر ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر. والحياء شعبة من الإيمان. وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر. والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكفر والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان، وتركها شعبة من شعب الكفر. والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر. والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان.
وشعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية. وكذلك شعب الكفر نوعان: قولية، وفعلية. ومن شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان، فكذلك من شعبة الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان. وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية، فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختياراً وهي شعبة من شعب الكفر، فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف. فهذا أصل.
وهاهنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل.
والقول قسمان: قول القلب وهو الاعتقاد وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة. وإذا زال عمل القلب مع اعتقاده الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة. فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده، كما لم تنفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به،
¥