والجواب: أولا: هذه الشبهة مغالطة مكشوفة؛ لأن الكلام ليس في رجوع نبي بعد موته، وإنما في نزوله وهو حي إلى الأرض؛ فسقطت الشبهة من أصلها.
ثانيا: لا يلزم من أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء أن يثبت له جميع ما يقع لإخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الدلائل والبراهين – التي تسمى: المعجزات - وإلا فطرد كلامهم يلزم منه عدم صحة ما جاء في القرآن من أن عيسى عليه السلام كان يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله؛ لأن ذلك لم يقع لنبينا عليه الصلاة والسلام، ومثل ذلك يقال عن عصا موسى عليه السلام وغيرها من آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكل جواب لهم على هذا الإيراد هو جوابنا عليهم في شبهتهم.
ثالثا: أن فيما قدره الله سبحانه من رفع عيسى حيا ثم نزوله في آخر الزمان حكما عظيمة، منها: الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه عليه الصلاة والسلام، وأنه هو الذي يقتلهم ويقتل الدجال معهم.
جاء في الرسالة ص2 إيراد شبهة لإنكار رفع عيسى عليه السلام، وهي قولهم: (لقد رُفع عيسى بنفس الطريقة التي رُفع بها الأنبياء الآخرون، فقد قال الله عز وجل في شأن إدريس عليه السلام: (ورفعناه مكانا عليا)، ونفس المعنى لرفع عيسى عليه السلام في الآية الكريمة: (إني متوفيك ورافعك إلي)، فليس هنالك ذكر للفظ السماء، وكلما تدل عليه هذه العبارة أن الله سوف يفشل خطة اليهود بقتل عيسى عليه السلام على الصليب ليثبتوا أنه - والعياذ بالله – ملعون من الله، وسوف يرفع درجته ويجعله من المقربين، ورفعت روحه كما رفعت أرواح الأنبياء الآخرين).
والجواب: أولا: أن لأهل العلم بالتفسير أقوالا عدة في تفسير قوله تعالى عن إدريس: (ورفعناه مكانا عليا)، فمن أهل العلم من قال: إن الله عز وجل رفعه حيا إلى السماء ومات بها، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما من السلف، فعلى هذا تكون الآية دليلا عليهم لا لهم.
وقيل: المقصود رفعه في الجنة، والجنة – ولا شك – سيدخلها بجسده وروحه، وذكر الفعل الماضي لا يشكل على هذا؛ إذ هو من باب تأكيد الوقوع، كقوله تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً)، وقوله: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون).
وعلى هذا فلا يستقيم الاستدلال.
ثانيا: لو سُلِّم بأن المراد من الآية رفع الدرجات والمنزلة في حق إدريس عليه السلام فلا يلزم أن يكون ذلك مدلول الآيات الواردة في عيسى عليه السلام؛ لأنها صريحة في رفع الجسد والروح معا، لما يأتي:
أ- أن الله تعالى قيد هذا الرفع بأنه إليه حيث قال: (ورافعك إلي)، وقال: (بل رفعه الله إليه)، ومن المتقرر في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أن الله تعالى في العلو، فيكون رفعه عليه السلام إلى السماء، بخلاف الرفع في حق إدريس عليه السلام فإنه مطلق: (ورفعناه مكانا عليا)، ويدرك الفرق بين الأسلوبين كل من شم للغة العربية رائحة.
ب- أنه لو سُلِّم بأن الآية تحتمل معنى رفع المنزلة والمكانة؛ فإن الأحاديث الواردة في هذا الموضوع صريحة المعنى وقاطعة الدلالة على أن الرفع كان للروح والجسد معا، وكذا النزول آخر الزمان.
ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير) البخاري 4/ 134 ومسلم 1/ 135.
وفي صحيح مسلم 4/ 2253 أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( ... إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين [أي ثوبين مصبوغين] واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه إلا مات، ونَفَسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه [أي يطلب الدجال] حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة).
والأحاديث في هذا بالعشرات، فهل يُقال بعد ذلك إن هذا الرفع كان للروح فقط؟
ولو كان المقصود برفع عيسى رفع روحه كما جاء في الرسالة فما هي الميزة لعيسى عليه السلام؟ إذ سائر المؤمنين إذا قُبضت أرواحهم عُرج بها إلا السماء!
ج- أن قوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) دليل واضح كالشمس على ما تقرر آنفا مما يؤمن به المؤمنون قاطبة؛ فقوله تعالى: (بل رفعه الله إليه) يدل على أن رفعه كان للبدن والروح؛ إذ لو أريد موته لقيل: وما قتلوه وما صلبوه بل مات، وهذا واضح تمام الوضوح لمن تأمل، وكان ذا بصيرة وحسن قصد.
جاء في الرسالة ص2: (كما أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه ليلة المعراج في الموتى مع يحي عليه السلام).
والجواب: كون النبي صلى الله عليه وسلم رآه في السماء مع يحي على أي شيء يدل؟
وما المانع أن يكون حيا بجسده وروحه في السماء وسائر الأنبياء بأرواحهم؟ وهل تقاس هذه الأمور الغيبية على الأمور المشاهدة؟
إن على المؤمن الذي آمن بالله ربا وبالنبي صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا أن يؤمن ويُسلِّم بكل ما جاء في الوحي الشريف دون الدخول بعقله فيما لا يدرك.
وإلا فيلزم القاديانيين أن يكذبوا بالمعراج من أصله؛ إذ كيف عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وسلّم على الأنبياء وخاطبهم وهو حي وهم أموات؟ فكما يقولون في هذا فليقولوا في ذاك.
¥