تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجعلوا من القسم الثالث خبر الواحد العدل أو الخبر الذي لم يتواتر، وذلك لاحتمال الذهول والسهو والغفلة والخطأ والنسيان، إلى غير ذلك من الاحتمالات، فإذا تبين ذلك، فالقطع بالصدق مع ذلك محال، ثم هذا في العدل في علم الله تعالى، ونحن لا نقطع بعدالة واحد، بل يجوز أن يضمر خلاف ما يظهر، ولا يستثنى من ذلك إلا من استثني بقاطع كأنبياء الله ورسله – عليهم أفضل الصلاة والسلام -.

(3) أن الناس قد اتفقوا على أن التصحيح والتحسين والتضعيف ... إلخ أمور ظنية وأنه لا يمكن القطع بشيء من ذلك لاحتمال أن يكون الواقع بخلاف ذلك، قال العراقي في ألفيته ج1 ص14 بشرح السخاوي:

وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر لا القطع ... إلخ.

وإذا كان الحكم بتصحيح حديث ما، أمرا مظنونا به، وأنه يحتمل أن يكون بخلاف ذلك، فلا يجوز القطع بدلالة ما دل عليه، وهذا أمر ظاهر بين.

(4) أننا نرى العلماء كثيراً ما يحكمون على بعض الأحاديث بالصحة لتوافر شروط الصحة فيها عندهم، ثم يجدون بعض العلل التي تقدح في صحة ذلك الحديث فيحكمون عليه بما تقتضيه تلك العلة القادحة، وقد يضعفون بعض الأحاديث لعدم توافر شروط الصحة فيها، ثم يجدون ما يقويها، فيحكمون بصحتها، وهكذا.

وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الآحاد لا يفيد القطع؛ وإلا لوجب على الإنسان أن يقطع اليوم بكذا ويقطع غدا بضده، ويعتقد اليوم كذا ويعتقد غدا نقيضه، وهذا لا يخفى فساده على أحد.

(5) أنه لو أفاد خبر الواحد العلم، لما تعارض خبران؛ لأن العلمين لا يتعارضان؛ كما لا تتعارض أخبار التواتر، لكنا رأينا التعارض كثيرا في أخبار الآحاد، وذلك يدل على أنها لا تفيد القطع.

(6) أنه لو أفاد خبر الواحد العلم، لاستوى العدل والفاسق في الإخبار؛ لاستوائهما في حصول العلم بخبرهما، كما استوى خبر التواتر (1) في كون عدد المخبرين به عدولا أو فساقا، مسلمين أو كفارا؛ إذ لا مطلوب بعد حصول العلم، وإذا حصل بخبر الفاسق لم يكن بينه وبين العدل فرق من جهة الإخبار، لكن الفاسق والعدل لا يستويان بالإجماع والضرورة؛ وما ذاك إلا لأن المستفاد من خبر الواحد إنما هو الظن، وهو حاصل من خبر الواحد العدل دون الفاسق.

(7) أنه لو أفاد خبر الواحد العلم، لجاز الحكم بشاهد واحد ولم يحتج معه إلى شاهد ثان، ولا يمين عند عدمه، على مذهب من أجاز الحكم بشهادة الواحد مع اليمين، ولا إلى زيادة على الواحد في الشهادة بالزنى واللواط، لأن العلم بشهادة الواحد حاصل؛ وليس بعد حصول العلم مطلوب، لكن الحكم بشهادة الواحد بمجرده لا يجوز باتفاقهم. وذلك يدل على أنه لا يفيد العلم.

(8) أن كثيرا من المحدثين بل أكثرهم يروون الروايات بالمعنى، كما هو معلوم لا يخفى على طالب علم، وقد وردت أحاديث كثيرة جدا في كتب السنة مما لا يمكن أن يقال إلا أنها مروية بالمعنى، كما لا يخفى على من له أدنى ممارسة لهذه الكتب، والرواية بالمعنى لا يؤمن معها من الغلط، ولا سيما إذا نظرنا إلى أن كثيرا من الرواة ليس عنده كبير فقه، بل بعضهم من الأميين وأشباههم، وبعضهم من الأعاجم الذين لا معرفة لهم بلغة العرب، أضف إلى ذلك أن الخلاف في هذه المسائل قد وجد منذ أوائل القرن الثاني، ومن اعتقد شيئا يمكن أن يعبر عن بعض الألفاظ التي يتوهم أنها تدل على ما يعتقده بعبارة قد يفهم غيره الحديث بخلاف فهمه هو له، وهذا موجود بكثرة كما يعلم بالاطلاع على كتب الحديث، والله أعلم.

(9) روى البخاري 1227، ومسلم 97 (573)، وجمع من أئمة الحديث، أن ذا اليدين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى الظهر أو العصر ركعتين: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال له: ((لم أنس ولم تقصر)) ... ثم قال للناس: ((أكما يقول ذو اليدين)) فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سجد سجدتين.

فهذا يدل دلالة واضحة على أن أخبار الآحاد لا تفيد القطع، وإلا لاكتفى صلى الله عليه وسلم بخبر ذي اليدين ولم يحتج إلى سؤال غيره، إذ ليس بعد القطع مطلوب، وهذا ظاهر لا يخفى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير