تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وشغفه بكتاب (الشفا) دخل عليه من سلوكه طريق الفلاسفة لما أراد اختباره وتمحيصه كما ذكر هو عن نفسه، وقل مثل ذلك في (رسائل إخوان الصفا) وهو من كتب الباطنية، وخوض مفاوز السوء مع قلة بصر بالآثار وضعف إدراك بالمعايب مخاطرة لا تؤمن عاقبتها، والله الهادي.

قال الذهبي (748ه) رحمه الله: "قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب التهافت، وكشف عوارهم، ووافقهم في مواضع ظناً منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار، ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر إلى كتاب (رسائل إخوان الصفا) وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف" (8).

وأبو حامد الغزالي - رحمه الله - وإن كان إماماً في الفقه، والأصول، والمنطق، والجدل، إلا أنه ليس بذاك الحذق في ثلاثة علوم هي:

أولاً: علم الاعتقاد:

فإنه لم يكن ذا باع طويل فيه، ولا صاحب تحقيق حتى قال عنه أبو الحسن المنتصر المالكي .. "الغزالي إمام في الفقه، متوسط في أصول الفقه، ضعيف في الاعتقادات" (9).

وأما سبب ضعفه في هذا العلم فنترك الحديث عنه للإمام المازري أبي عبدالله محمد بن علي التميمي الصقلي (536ه) حيث قال: "وأما أصول الدين فقد صنف فيه أيضاً، وليس بالمستبحر فيه، ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته قراءة الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهلاً للهجوم على الحقائق ..

وعرَّفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على (رسائل إخوان الصفا) ثم كان في هذا الزمان المتأخر رجل من الفلاسفة يعرف بابن سينا، قد أداه قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى الفلسفة، ووجدت الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة" (10).

ثانياً: علم الحديث:

فإنه كان مزجي البضاعة فيه، بل لا بصر له به ألبته، لأنه لم يطلبه، ولم يكن في شيوخه من عرف به، شهد هو بنفسه على ذلك، وحتى الغلاة من محبيه.

وقد عقد ابن السبكي فصلاً جمع فيه كل الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً وذكرها الغزالي في الإحياء، فبلغت 943 حديثاً! (11) هذه لم يجد لها إسناداً، أما الضعيف والواهي فلم يتعرض له، وهذه - أيضاً - في كتاب الإحياء فقط دون سائر كتبه!!

ثالثاً: علم النحو:

فقد كان الخلل يقع في كلامه من جهة النحو، وذكره هو عن نفسه، وأنه ما مارسه، ثم أذن لكل من وجد مثل هذا الخلل في كتبه أن يصلحه كما نقله عنه الشيخ أبو الحسن عبدالغافر بن اسماعيل الفارسي في (السياق لتاريخ نيسابور) (12).

لكن هذا لا يضيره إذا لم يكن طريق الاستنباط مبنياً على النحو، فإن جماعة من الأكابر اشتهر عنهم اللحن في كلامهم مع الإقرار بإمامتهم في علومهم.

والحق أن الغزالي لا مطعن عليه في كتابه الإحياء من جهة اللحن، لأن عبارته فيه ظاهر عليها قوة الحبك، وجودة السبك، كأفصح ما يقول الناس، وأبين ما حوى قرطاس.

وهذه القوة في حسن الصياغة، وجودة البيان، تجعلنا نمتنع من التكلف لحمل ألفاظه على غير ظاهرها المتبادر إلى فهومنا، لأن أبا حامد لم يكن عيياً حتى تعجزه الكلمة أو تند عنه اللفظة المناسبة، فتملق ذلك خروج عن مقصود الغزالي نفسه ..

والمتعصبون لأبي حامد لم ينكروا أن في كتبه عبارات شنيعة، وأمور منكرة لا يجوز لعاقل التفوه بها فضلاً عن اعتقاد صحتها أو العمل بها، لكنهم وقفوا من ذلك موقفين:

الموقف الأول: موقف طائفة أنكرت نسبة هذه الكتب إليه، ودفعتها عن جنابه بالمرة، وبرأت ساحته مما فيها، وزعمت أنها منحولة عليه.

وخذ مثلاً على ذلك ما قيل في كتابه (بداية الهداية) أو (المضنون به على غير أهله) ونحو ذلك.

والموقف الثاني: موقف طائفة أخرى تمحلت صروف التأويل، وضروب التخريج لحمل كلامه على محمل حسن يليق بما اعتقدوه فيه من تعظيمه وتبجيله.

خذ مثلاً على ذلك ما فعله زكريا الانصاري (926ه) دفاعاً عن أبي حامد في عبارته المشهورة "ليس في الإمكان أبدع مما كان"! وهي من العبارات التي كفره العلماء لأجلها، حتى حمله تعصبه وغلوه في أبي حامد إلى تكفير من لم يعتقد معتقده!! (13).

وتابعه على هذا المنوال ابن حجر الهيتمي المكي (974ه) (14).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير