تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كلهم قاموا بذلك، وإن حصل له في نفسه غاية الضرر «[3].

إن التزام أهل السنة بالعلم والعدل أورثهم هذه الخصلة الرفيعة، فمسلك أهل السنة قائم على العلم والعدل، لا الجهل والظلم، حتى كان أهل السنة لكل طائفة من المبتدعين خير من بعضهم لبعض» بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعضهم، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضاً لقد تلقى أهل السنة هذه الصفة الحميدة من صاحب الخلق العظيم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلقد كان -عليه الصلاة والسلام - أعلم الناس بالحق، وأعظم الناس رحمة ورأفة، فمن أجل إظهار الحق بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، ومن أجل نصرة الحق نجده -صلى الله عليه وسلم- يغضب أشد الغضب، فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، وكل ذلك حين رأى بعض أصحابه - رضي الله عنهم - يتخاصمون في القدر، ثم قال:» مهلاً يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض: إن القرآن لم ينزل يكذّب بعضه بعضا، وإنما نزل يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه [4].

ومع ذلك كله فقد كان صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة، قال تعالى: ((لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)).

وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها -» قالت: ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها.

وتأمّل - أخي القارئ - ما لقيه -صلى الله عليه وسلم- من أنواع الأذى في سبيل دعوته ونصحه للخلق، ولما سألته عائشة -رضي الله عنها قائلة: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد «فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال فناداني ملك الجبال وسلّم علىّ ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً، أخرجه الشيخان.

ولقد سار سلف الأمة على ذلك، فهذا أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - يقول الحق، ويرحم الخلق، فإنه لما رأى سبعين رأسا من الخوارج، وقد جزت تلك الرؤوس ونصبت على درج دمشق، فقال رضي الله عنه إعلاماً بالحق:

سبحان الله، ما يصنع الشيطان ببني آدم، كلاب جهنم، شر قتلى تحت ظل السماء «.

ثم بكى قائلاً: بكيت رحمة لهم حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام [5].

وهذا الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله - يثبت على كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم، فيقول بكل يقين: القرآن كلام الله غير مخلوق، ويصبر الإمام على ما أصابه من أنواع الإيذاء والفتنة من قبل رؤوس المعتزلة - آنذاك -، ومن تبعهم من خلفاء كالمأمون، والمعتصم، والواثق.

» ولما جاءه أحدهم وهو في السجن فقال: يا أبا عبد الله عليك رجال، ولك صبيان، وأنت معذور - كأنه يسهل عليه الإجابة -، فقال الإمام أحمد: إن كان هذا عقلك فقد استرحت [6]

ومما قاله الإمام الذهبى - رحمه الله - في شأن محنة الإمام أحمد:

» الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملاً، فهو صدّيق، ومن ضَعُفَ، فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب، وليس وراء ذلك إيمان، فلا قوة إلا بالله «[7]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير