تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويأتي إلى موضع آخر من نفس الكتاب لينقل عن رجل يقال له أبو أحمد المغازلي، يقول: 'خطر على قلبي ذكرٌ مِن الأذكار، فقلت: إن كان ذِكرٌ يُمشى به على الماء فهو هذا، فوضعتُ قدمي على الماء فثبتت، ثم رفعتُ قدمي الأخرى لأضعها على الماء فخطر على قلبي كيفية ثبوت الأقدام على الماء فغاصتا جميعاً!! '

أرأيتم هذا الذكر خطرَ على قلبه، لا هو مِن صحيح البخاري، ولا هو مِن المواهب اللدنية التي يرجع إليها هؤلاء الخرافيُّون، ولا من السيوطي، ولا مِن ابن عساكر، ولا مِن الحلية، إنَما خطر على قلبه!

العلم اللدني

وهنا نقف عند قضية خطيرة في منهج التصوف، والتي أشرنا إليها، وهي قضية التلقِّي - العلم اللدنِّي- المباشر عن الله.

هم يقولون: حدَّثني قلبي عن ربِّى، ويقولون: أنتم -أي: أهل السنة والجماعة - تأخذون علمَكم ميِّتاً عن ميِّت - حدثنا فلان عن فلان عن فلان، كله ميِّت عن ميِّت - ونحن نأخذ علمَنا عن الحيِّ الذي لا يموت!!

وأنا أقول: إنَّ الحيَّ الذي لا يموت إلى يوم يبعثون كما أنبأ الله تعالى هو إبليس، ولاشك أنَّ الصوفية يأخذون هذه الوسوسات مِن إبليس؛ وإلا كيف يخطر على قلب هذا الرجل ذِكرٌ مِن الأذكار؟ ما هو هذا الذِّكر؟ ما مدى مشروعيته وما مدى صحته؟ لا ندري!! فيقول في نفسه: إن كان ذِكراً يمشى به على الماء فهو هذا، ثمَّ يضع قدمه على الماء، ثم يمشي على الماء.

انظروا هذه الخرافات، يَنقلها هذا الرجل، ويقرُّها، وأنا لا أقصد أن هذه الخرافات في ذاتها فقط مجرد خرافة، إنَّما أقصد أن نربطها بمنهج الرجل - منهجه في التلقي - وهو الاستمداد مِن العلم المتلقَّى اللدنِّي، أو الاستمداد مِن المنامات والأحلام كما يأتي أيضاً بعض إيضاح لذلك.

طريق من ذهب وأخرى من فضة

ثم ينقل -مِن جملة ما ينقل- عن إبراهيم الخواص، يقول: ' إنَّ الخواص قال: سلكتُ البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً، منها: طريقٌ مِن ذهب! وطريقٌ مِن فضَّة! '

ثم يقول علوي مالكي: ' فإنْ قيل: وهل في الأرض طرقٌ هكذا؟، قلنا: لا؛ ولكن هذا مِن جهة كرامات الأولياء! '. [31]

مَن مِن الناس يفهم هذا الكلام أو يتخيله في عقله؟ لكن أنتم مخطئون إذا استخدمتم العقل؛ لأنَّ الصوفية لا تؤمن بالعقل أصلا، بل ولا بالنقل، الصوفية تؤمن بالكشف، وبالذوق، فأنتم ما ذقتم- ولا أنا - شيئاً، ما تذوقنا أنَّنا نمشي في البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً، منها طريقٌ مِن ذهب، وطريقٌ مِن فضة، إذا قلنا مشينا إلى مكة فما رأينا شيئاً، قالوا: أنتم لستم أصحاب أحوال، أنتم مِن العامَّة، أصحاب شريعة؛ لكننا نحن أصحاب حقيقة! نرى هذه الطرق، فهذه مِن كرامات الأولياء.

هكذا ينقل محمَّد علوي مالكي، يستشكل، ثمَّ يأتي بالجواب الذي يعتقد أنَّه جوابٌ مفحِمٌ مُسكتٌ.

التوكل والتواكل

وينقل المالكي عن أخت داود الطائي، أنَّها قالت له -وهذا يذكرنا بما يفعله عُبَّاد الهنود، كما ذَكَر البيروني وغيره مما هو معروفٌ عنهم الآن مِن تعاليم النفس-: 'لو تنحيتَ مِن الشمس إلى الظلِّ' أي: تقول: انتقل مِن الشمس إلى الظل - فقال: هذه خطىً لا أدرى كيف تُكتب.

الصوفية يؤمنون بالجبريَّة المطلقة - سلبية المطلقة - التوكل عندهم هو تواكل، يذهب يجلس في البادية بدون أي زاد ويقول: إني متوكِّل على الله! يجلس في المسجد، وتُعطى له الزكاة، وتعطى له الصدقات، والهبات ويقول: أنا متوكِّل على الله.

تقول له أخته: قم مِن الشمس إلى الظل، فيقول: خطىً، لا أدرى كيف تكتب.

لو قمتَ وقلت: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير:29]، فالله عز وجل قال لنا هذا، وأمَرَنا أنْ نتخِّذ الأسباب.

فمن مثل هذه الأشياء ينقلها المالكي، ويعتبرها هي درر كلام الأخيار ومِن أفضله.

رؤية الله عند المالكي

ننتقل إلى موضوع آخر ينقل عن أبي يزيد البسطامي قوله: ' رأيتُ ربَّ العزة في المنام فقلت: "يابارا خدا" ' [32]- بالفارسية -.

تعتقد الصوفية أنَّهم يروْن الله تعالى في المنام، وكذلك يروْن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليقظة والمنام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير