' ما أبصره أحد على التحقيق سوى الصديق؛ لأنَّه وافقه ثم رافقه؛ لئلا يبقى بينهما فرق، ما عرفه عارف إلا جهل وصفه الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146] أنوار النبوة مِن نوره برزت، وأنوارهم مِن نوره ظهرت، وليس في الأنَّوار نور أنور وأظهر وأقدم من القدم سوى نور صاحب الكرم، همته سبقت الهمم، ووجوده سبق العدم!!! واسمه سبق القلم - أي: قبل أن يخلق القلم - لأنَّه كان قبل الأمم، ما كانت الآفاق وراء الآفاق ودون الآفاق، أظرف، وأشرف، وأعرف، وأرأف، وأخوف، وأعطف من صاحب هذه القضية، وهو سيِّد البرية الذي اسمه أحمد، ونعته أوحد، وأمره أوكد، وذاته أوجد، وصفته أمجد، وهمَّته أفرد، يا عجباً ما أظهرَه، وأنضره، وأكبره، وأشهره، وأنوره، وأقدره، وأظفره، لم يزل، كان مشهوراً قبل الحوادث، والكوائن، والأكوان، ولم يزل، كان مذكوراً قبل القبل، وبعد البَعد، والجواهر والألوان، جوهره صفويٌّ، كلامه نبويٌّ، علمه عَلَويٌّ -نسبة إلى علي- عبارته عربيٌّ، قبيلته لا مشرقي، ولا مغربي، جنسه أبويٌّ، رفيه رفويٌّ، صاحبه أميٌّ ... ' إلى آخر الكلام الذي ينقله الحلاج، إلى أن يقول:
' الحق وبه الحقيقة، هو الأول في الوصلة، وهو الآخر في النبوة، والباطن بالحقيقة، والظاهر بالمعرفة، ما خرج عن ميم محمد، وما دخل في حائه أحد، حاؤه ميم ثانية، والدال ميمٌ، داله دوامه، وميمه محله، وحاؤه حاله، وحاله ميم ثانية '.
أقول: هذه الطلاسم التي يذكرونها، هي حساب "الجمَّل"، أو "أبو جاد"، أو "أبجد هوز".
نستمر في كلام الحلاج لنرى حقيقته، وحقيقة دينه من قوله في طاسين الأزل والالتباس، يقول:
'قيل لإبليس: اسجد، ولأحمد انظر، هذا ما سجد، وأحمد ما نظر! ما التفت يميناً ولا شمالاً، ما زاغ البصر، وما طغي'
انظروا يشبِّه موقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموقف إبليس -والعياذ بالله- وأن إبليس لم يسجد، وأحمد، لم ينظر فالاثنان سواء، فإن قلت: كيف يشابه النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبليس؟ فيقول لك: لا تستغرب، انظر ماذا قال بعد ذلك في صفحة [99] يقول:
'تناظرت مع إبليس وفرعون في "الفتوة" - وهي: درجة مِن درجات الصوفية، ومقام من مقاماتهم - فقال -أي: إبليس يقول للحلاج -: إن سجدتُّ سقط عني اسم الفتوة! وقال فرعون: إن آمنتُ برسوله سقطتُّ من منزلة "الفتوة" -والعياذ بالله- وقلت أنا -أي الحلاج -: إن رجعت عن دعواي، وقولي سقطت من بساط "الفتوة' ودعواه هي وحدة الوجود.
يقول: 'وقال إبليس: أنا خير منه حين لم يره غيره خيراً، وقال فرعون: ما علمت لكم من إله غيري حين لم يعرف في قومه من يميِّز بين الحق والباطل'.
أي: أهل وحدة الوجود يصدِّقون كلام فرعون في قوله "ما علمتُ لكم مِن إله غيري".
يقول: 'وقلت أنا: إن لم تعرفوه فاعرفوا آثاره، وأنا ذلك الأثر وأنا الحق!! ' الحلاج كان يقول: أنا الحق يعني: أنا الله.
يقول: 'وأنا ذلك الأثر، وأنا الحق؛ لأنَّي مازلت أبداً بالحق حقّاً، فصاحبي وأستاذي إبليس وفرعون، وإبليس هُدِّد بالنار وما رجع عن دعواه، وفرعون أغرق في اليم وما رجع في دعواه، ولن يضر بالواسطة ألبتة -لن يضر بالوسائط- ولكن قال: "آمنت أنه لا اله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل"، وألم ترَ أنَّ الله قد عرَّض جبريل لشأنه، فقال: لماذا ملأتَ فمه قملاً؟ '
أقول: ما في كتاب الذخائر لمحمد علوي مالكي أصله مِن مثل كلام الحلاج هذا.
والحلاج ممن أسَّس لهم الغلو في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا الكلام أحياناً يجعله - والعياذ بالله - كإبليس! وأحياناً يقول: إنه مخلوق قبل الأكوان جميعاً، وقبل أن توجد السموات والأرض، إلى غير ذلك من الكلام، الذي احتج به الرفاعي وصاحباه بأن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مخلوقاً قبل الكائنات.
¥