تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول: 'فانعطفتْ إليَّ أنظار الصدِّيقين، وتعلقتْ بي قلوب الواصلين؛ فسجدتُّ لله شكراً، وحمدتُّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على نِعَمَه، وعظيم كرمه، وسرتُ، ولمحل ندائه معنىً في القلب سيظهر إن شاء الله وتعمر البقعة، وتقام في الجامع الجمعة، كذا وعدني ربي بالإلهام الحق، وهو لا يخلف الميعاد، قاله الله - هكذا - وانتهيتُ في سيري من طريق "الكلب" إلى "عين تاب" و"مرعش" ثم إلى "آل البستان"، ومنها مرحلة مرحلة إلى بلدة "صانصول"، ودخلت اللجة - يعني: البحر - أفجُّها فجة فجة، حتى انتهى الثور المائي إلى القسطنطينية ... ' - إلى أن يقول: 'وفي القسطنطينية قابل السلطان ' - إلى أن يقول:

'واجتمعتُ بِها على الخضر عليه السلام ست مرات، فيالله مِن حكم سماويَّة تنزل مِن لفاف دور القَدَر يمضيها الحُكم الإلهي في تلك البلدة إمضاءً، وإنفاذاً، ولربي الفعل المطلق، له الحكم وإليه ترجعون' اهـ.

ثم يتحدث طويلاً، والمهم أن هذه هي قضية بيعته، وكيف بويع، وهذا الرفاعي هو الذي ينقل عنه هاشم الرفاعي كما قلنا ويؤيد كلام المالكي.

فإذاً لا نستغرب منه أن يؤيد ما يتعلق برؤيتهم النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومخاطبتهم له، وهذا طريق حراس حضرتهم من الجن يرفع الولاية، وهو أيضاً كما يقول: يبشر هذا الرجل بالولاية الكبرى، بل إن هناك ما يخبر بأن هذا الجامع الخرب الذي عين بيع فيه بالقطبية العظمى والولاية الكبرى سوف يعمر.

هذا غيضٌ مِن فيضٍ، والأمثلة كثيرة جدّاً لكن لا أريد أن أستغرق فيها؛ لأنَّنا نريد أن ننتقل إلى موضوعٍ أكثر تفصيلاً وهو: حقيقة سُلَّم الترقِّي عند الصوفية! وكما قلت ليس مَن يحضر العشاء أو يتعاطف معهم هو منهم، بل هناك درجات، وهناك شكل هرمي معيَّن يترقَّون خلاله، وهو مما يزيدنا تأكيداً وإلحاحاً على أن هؤلاء القوم باطنية زنادقة؛ لأنَّ نفس هذا الترتيب موجود عند الباطنية.

5 - أركان الطريق عند الصوفية

نقول: إنَّ أركان الطريق عند الصوفية هي أربعة، أو خمسة إذا أضفنا "الشطحات".

الأول: هو الشيخ، وهذا الشيخ -أو المرشد كما يسمُّونه- ركنٌ أساسيٌّ عندهم، ولابد أن يرتبط الإنسان بشيخٍ، بل في كتاب تربية الأولاد الذي ألَّفه الشيخ عبد الله علوان يقول: لابد أن يُربط الطفل بشيخ!! وهذا مِن آثار التصوف، فعنده لابد أن يرتبط به، ولابد أن يسير على نَهجه، وأن يقتدي به، وأن يسلِّم له بالكلية، كما عبَّر عن ذلك أبو حامد الغزالي وغيره: أن يكون عند الشيخ كالميِّت بين يدي الغاسل لا تصرف له على الإطلاق!!

ثم بعد ذلك تكون: الخلوة، والخلوة هي: بعد أن يرتبط بالشيخ يُدخله في خلوة معيَّنةٍ ويُلقِّنُه الأذكار المعينة، وهذه الخلوة ينقطع الواحد منهم فيها عن الجُمَع والجماعات، وعن سائر العبادات، ويردِّد الذِّكر المعيَّن الخاص بالطريقة التي يلقِّنُها إيَّاه الشيخ ويستحضر في قلبه أثناء الذكر، وأثناء تَرداده صورة الشيخ، ويستمر على ذلك حتى يحصل له الفتح! وبعضهم يأتيه فتحُه -كما يقولون- في أيامٍ، وبعضهم في أسابيع، وبعضهم إلى عشرين سنَة، أو أكثر، وهو لم يُفتح عليه، يُردِّد يردِّد ولم يفتح عليه؛ فيقولون: لم يُفتح عليك لأنَّ قلبك لم يتنقَّ، أو ارتباطك بالشيخ ضعيف!

الحاصل: أن عندهم فلسفات طويلة، يعالجون بها هذه الأمور.

ثم إذا حصل الفتح أو الكشف: ينتقل الطالب أو المريد من مرحلة المجاهدات والرياضات إلى مرحلةٍ يسمُّونها "المشاهدات، والكشوفات، والتجليات".

فيحصل له الفتح بأن يُخاطَب -يخاطبُه رجلٌ- أو يرى مناظر غريبة جدّاً، أو يرى أشياء تخاطبه وتكلمه، وهذا الفتح يكون عبارة عن كرامة بالنسبة لهذا المريد، فإذا أعطي هذه الكرامة -كما يسمُّونها- تكون: خوارق حسيَّة، واطِّلاع على المغيبات -كما يعتقدون- برؤية النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاجتماع به يقظة، وبمخاطبته مباشرة!!

وبالمناسبة أذكر لكم أن هناك كتاباً اسمه المواقف والمخاطبات لعبد الجبار النسري، وهو من أئمة الصوفية عاش في القرن الخامس، وهو كتاب كبير، أظنه أكثر من خمسمائة صفحة، هذا الكتاب كله مخاطبات، ومواقف، مثل: وقفتُ بين يدي الله الحق فقال لي وخاطبني، وترى هؤلاء يستشهدون بما في هذا الكتاب الذي حققه المستشرقون الذين هم دائماً وراء نشر تراث الصوفية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير