وقوله ما منكم إلا من سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ولا حاجب يحجبه وقوله إنكم ترون ربكم عيانا وهذا شأن أكثر نصوص الصفات إذا تأملها من شرح الله صدره لقبولها وفرح بما أنزل على الرسول منها يراها قد حفت من القرائن والمؤكدات بما ينفي عنها تأويل المتأول
السابع كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 198]
فهو باطل كتأويل قوله أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل بحمله على الأمة فإن هذا التأويل مع شدة مخالفته لظاهر اللفظ يرجع على أصل النص بالإبطال وهو قوله فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ومهر الأمة إنما هو للسيد فقالوا نحمله على المكاتبة وهذا يرجع على أصل النص بالإبطال من وجه آخر فإنه أتى فيه ب أي الشرطية التي هي من أدوات العموم وأكدها ب ما المقتضية تأكيد العموم وأتى بالنكرة في سياق الشرط وهي تقتضي العموم وعلق بطلان النكاح بالوصف المناسب له المقتضي لوجود الحكم بوجوده وهو نكاحها نفسها ونبه على العلة المقتضية للبطلان الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 199]
وهي افتياتها على وليها وأكد الحكم بالبطلان مرة بعد مرة ثلاث مرات فحمله على صورة لا تقع في العالم إلا نادرا يرجع على مقصود النص بالإبطال وأنت إذا تأملت عامة تأويلات الجهمية رأيتها من هذا الجنس بل أشنع
الثامن تأويل اللفظ الذي له معنى ظاهر لا يفهم منه عند إطلاقه سواه بالمعنى الخفي الذي لا يطلع عليه إلا أفراد من أهل النظر والكلام كتأويل لفظ الأحد الذي يفهمه الخاصة والعامة بالذات المجردة عن الصفات التي لا يكون فيها معنيان بوجه ما فإن هذا لو أمكن ثبوته في الخارج لم يعرف إلا بعد مقدمات طويلة صعبة جدا فكيف وهو محال في الخارج وإنما يفرضه الذهن فرضا ثم يستدل على وجوده الخارجي فيستحيل وضع اللفظ المشهور عند كل أحد لهذا المعنى الذي هو في غاية الخفاء وستمر بك نظائره إن شاء الله تعالى
التاسع التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 200]
غاية العلو والشرف ويحطه إلى معنى دونه بمراتب كثيرة وهو شبيه بعزل سلطان عن ملكه وتوليته مرتبة دون الملك بكثير مثاله تأويل الجهمية قوله وهو القاهر فوق عباده الأنعام18
وقوله يخافون ربهم من فوقهم النحل50
ونظائره بأنها فوقية الشرف كقولهم الدرهم فوق الفلس والدينار فوق الدرهم
فتأمل تعطيل المتأولين حقيقة الفوقية المطلقة التي هي من خصائص الربوبية وهي المستلزمة لعظمة الرب جل جلاله وحطها إلى كون قدره فوق قدر بني آدم وأنه أشرف منهم
وكذلك تأويلهم علوه بهذا المعنى وأنه كعلو الذهب على الفضة وكذلك تأويلهم استواءه على عرشه بقدرته عليه وأنه غالب له فيالله العجب هل ضلت العقول وتاهت الحلام وشكت العقلاء في كونه سبحانه غالبا لعرشه قادرا عليه حتى يخبر به سبحانه في سبعة مواضع من كتابه مطردة بلفظ واحد ليس فيها موضع واحد يراد به المعنى الذي أبداه المتأولون وهذا التمدح والتعظيم كله لأجل أن الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 201]
يعرفنا أنه قد غلب عرشه وقدر عليه وكان ذلك بعد خلق السموات والأرض أفترى لم يكن سبحانه غالبا للعرش قادرا عليه في مدة تزيد على خمسين ألف سنة ثم تجدد له ذلك بعد خلق هذا العالم
العاشر تأويل اللفظ بمعنى لم يدل عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ فإن الله سبحانه أنزل كلامه بيانا وهدى فإذا أراد به خلاف ظاهره ولم تحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد لم يكن بيانا ولا هدى
فهذه بعض الوجوه التي يفرق بيها بين التأويل الصحيح والباطل وبالله المستعان الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 202]
الفصل الثالث في أن التأويل إخبار عن مراد المتكلم لا إنشاء
فهذا الموضع مما يغلط فيه كثير من الناس غلطا قبيحا فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه فإذا قيل معنى اللفظ كذا وكذا كان إخبارا بالذي عناه المتكلم فإن لم يكن هذا الخبر مطابقا كان كذبا على المتكلم ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة
منها أن يصرح بإرادة ذلك المعنى
¥