ومنها أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع ولا تبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له
كقوله وكلم الله موسى تكليما النساء164
مجموع الفتاوى [جزء 3 - صفحة 67]
وأما التأويل المذموم والباطل فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على غير تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله الى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون ان فى ظاهره من المحذور ما هو نظير المحذور اللازم فيما اثبتوه بالعقل ويصرفونه الى معان هى نظير المعانى التى نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما اثبتوه فان كان الثابت حقا ممكنا كان المنفى مثله وان كان المنفى باطلا ممتنعا كان الثابت مثله
مجموع الفتاوى [جزء 13 - صفحة 312]
وأما التأويل الذى اختص الله به فحقيقة ذاته وصفاته كما قال مالك والكيف مجهول فاذا قالوا ما حقيقة علمه وقدرته وسمعه وبصره قيل هذا هو التأويل الذى لا يعلمه الا الله مجموع الفتاوى [جزء 13 - صفحة 313]
وما أحسن ما يعاد التأويل الى القرآن كله فان قيل فقد قال النبى لابن عباس اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل قيل أما تأويل الأمر والنهى فذاك يعلمه واللام هنا للتأويل المعهود لم يقل تأويل كل القرآن فالتأويل المنفى هو تأويل الاخبار التى لا يعلم حقيقة مخبرها الا الله والتأويل المعلوم هو الأمر الذى يعلم العباد تأويله وهذا كقوله هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله وقوله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله فان المراد تأويل الخبر الذى أخبر فيه عن المستقبل فانه هو الذى ينتظر ويأتى و لما يأتهم وأما تأويل الأمر والنهى فذاك فى الأمر وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى ان أدخل فى التأويل لا ينتظر والله سبحانه أعلم وبه التوفيق
مجموع الفتاوى [جزء 17 - صفحة 401]
وأما التأويل بالمعنى الثالث و هو صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح الى الإحتمال المرجوح فهذا الإصطلاح لم يكن بعد عرف فى عهد الصحابة بل و لا التابعين بل و لا الأئمة الأربعة و لا كان التكلم بهذا الإصطلاح معروفا في القرون الثلاثة بل و لا علمت أحدا منهم خص لفظ التأويل بهذا و لكن لما صار تخصيص لفظ التأويل بهذا شائعا فى عرف كثير من المتأخرين فظنوا أن التأويل في الآية هذا معناه صاروا يعتقدون أن لمتشابه القرآن معاني تخالف ما يفهم منه و فرقوا دينهم بعد ذلك و صاروا شيعا و المتشابه المذكور الذي كان سبب نزول الآية لا يدل ظاهره على معنى فاسد و إنما الخطأ في فهم السامع نعم قد يقال أن مجرد هذا الخطاب لا يبين كمال المطلوب و لكن فرق بين عدم دلالته على المطلوب و بين دلالته على نقيض المطلوب فهذا الثاني هو المنفي بل و ليس فى القرآن ما يدل على الباطل ألبتة كما قد بسط فى موضعه
و لكن كثير من الناس يزعم أن لظاهر الآية معنى إما معنى يعتقده و إما معنى باطلا فيحتاج الى تأويله و يكون ما قاله باطلا لا تدل الآية على معتقده و لا على المعنى الباطل و هذا كثير جدا و هؤلاء هم الذين يجعلون القرآن كثيرا ما يحتاج إلى التأويل المحدث و هو صرف اللفظ عن مدلوله إلى خلاف مدلوله
مجموع الفتاوى [جزء 17 - صفحة 402]
ومما يحتج به من قال الراسخون فى العلم يعلمون التأويل ما ثبت فى صحيح البخارى وغيره عن ابن عباس ان النبى دعا له وقال اللهم فقهه فى الدين وعلمه التاويل فقد دعا له بعلم التاويل مطلقا وابن عباس فسر القرآن كله قال مجاهد عرضت المصحف على ابن عباس من اوله الى اخره اقفه عند كل اية واساله عنها وكان يقول انا من الراسخين فى العلم الذين يعلمون تاويله
وايضا فالنقول متواترة عن ابن عباس رضى الله عنهما انه تكلم فى جميع معانى القرآن من الامر والخبر فله من الكلام فى الاسماء والصفات والوعد والوعيد والقصص ومن الكلام فى الامر والنهى والاحكام ما يبين انه كان يتكلم فى جميع معانى القرآن
وايضا قد قال ابن مسعود ما من اية فى كتاب الله الا وانا اعلم فيما ذا انزلت
وأيضا فانهم متفقون على ان ايات الاحكام يعلم تاويلها وهى نحو خمسمائة اية وسائر القرآن عن الله واسمائه وصفاته او عن اليوم الاخر والجنة والنار او عن القصص وعاقبة اهل الايمان وعاقبة اهل الكفر فان كان هذا هو المتشابه الذى لا يعلم معناه الا الله
¥