ثم قال ومن كان عليما بهذه الأمور تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه وذموا أهله وعابوهم وعلم أن من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد إلا بعدا فنسأل الله العظيم أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال مؤلفه تم وكمل في جمادى الآخرة بمصر المحروسة عام اثنين وثلاثين وألف
تيسير العزيز الحميد [جزء 1 - صفحة 518]
وظنوا أن لنصوص الصفات تأويلا يخالف ما دلت عليه لا يعلمه إلا لله كما يقوله أهل التجهيل أو يعلمه المتأولون كما يقوله أهل التأويل وفي الأثر المشروح دليل على ذكر آيات الصفات وأحاديثها بحضرة عوام المؤمنين وخواصهم وأن من رد شيئا منها أو استنكره بعد صحته فهو ممن لم يفرق بين الحق والباطل بل هو من الهالكين وأنه ينكر عليه استنكاره
مجموع الفتاوى [جزء 4 - صفحة 66 وما بعدها]
وهذا باب واسع فإن الخارجين عن طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لهم في كلام الرسول ثلاث طرق طريقة التخييل وطريقة التأويل وطريقة التجهيل
فأهل التخييل هم الفلاسفة والباطنية الذين يقولون أنه خيل أشياء لا حقيقة لها في الباطن وخاصية النبوة عندهم التخييل
وطريقة التأويل طريقة المتكلمين من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم يقولون إن ما قاله له تأويلات تخالف ما دل عليه اللفظ وما يفهم منه وهو وإن كان لم يبين مراده ولا بين الحق الذي يجب اعتقاده فكان مقصوده أن هذا يكون سببا للبحث بالعقل حتى يعلم الناس الحق بعقولهم ويجتهدوا في تأويل ألفاظه إلى ما يوافق قولهم ليثابوا على ذلك فلم يكن قصده لهم البيان والهداية والإرشاد والتعليم بل قصده التعمية والتلبيس ولم يعرفهم الحق حتى ينالوا الحق بعقلهم ويعرفوا حينئذ أن كلامه لم يقصد به البيان فيجعلون حالهم في العلم مع عدمه خيرا من حالهم مع وجوده
وأولئك المتقدمون كابن سينا وأمثاله ينكرون على هؤلاء ويقولون ألفاظه كثيرة صريحة لا تقبل التأويل لكن كان قصده التخييل وأن يعتقد الناس الأمر على خلاف ما هو عليه
وأما الصنف الثالث الذين يقولون إنهم أتباع السلف فيقولون إنه لم يكن الرسول يعرف معنى ما أنزل عليه من هذه الآيات ولا أصحابه يعلمون معنى ذلك بل لازم قولهم أنه هو نفسه لم يكن يعرف معنى ما تكلم به من أحاديث الصفات بل يتكلم بكلام لا يعرف معناه والذين ينتحلون مذهب السلف يقولون إنهم لم يكونوا يعرفون معاني النصوص بل يقولون ذلك في الرسول وهذا القول من أبطل الأقوال ومما يعتمدون عليه من ذلك ما فهموه من قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله ويظنون أن التأويل هو المعنى الذي يسمونه هم تأويلا وهو مخالف للظاهر
ثم هؤلاء قد يقولون تجري النصوص على ظاهرها وتأويلها لا يعلمه إلا الله ويريدون بالتأويل ما يخالف الظاهر وهذا تناقض منهم وطائفة يريدون بالظاهر ألفاظ النصوص فقط والطائفتان غالطتان في فهم الآية
وذلك أن لفظ التأويل قد صار بسبب تعدد الاصطلاحات له ثلاث معان أحدها أن يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام وإن وافق ظاهره وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة كقوله تعالى هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ومنه قول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد اللهم اغفر لي يتأول القرآن
والثاني يراد بلفظ التأويل التفسير وهو اصطلاح كثير من المفسرين ولهذا قال مجاهد إمام أهل التفسير إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه وهذا مما يعلمه الراسخون
والثالث أن يراد بلفظ التأويل صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ظاهره إلى ما يخالف ذلك لدليل منفصل يوجب ذلك وهذا التأويل لا يكون إلا مخالفا لما يدل عليه اللفظ ويبينه وتسمية هذا تأويلا لم يكن في عرف السلف وإنما سمي هذا وحده تأويلا طائفة من المتأخرين الخائضين في الفقه وأصوله والكلام وظن هؤلاء أن قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله يراد به هذا المعنى ثم صاروا في هذا التأويل على طريقين قوم يقولون إنه لا يعلمه إلا الله وقوم يقولون إن الراسخين ي العلم يعلمونه وكلا الطائفتين مخطئة
¥