وأيضا قد ثبت أن اتباع المتشابه ليس فى خصوص الصفات بل فى صحيح البخارى أن النبى قال لعائشة يا عائشة اذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذريهم وهذا عام وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب من أشهر القضايا فانه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حتى رآه عمر فسأل عمر عن الذاريات ذروا فقال ما اسمك قال عبدالله صبيغ فقال وأنا عبدالله عمر وضربه الضرب الشديد وكان ابن عباس اذا ألح عليه رجل فى مسألة من هذا الجنس يقول ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ
وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام كما قال النبى عليه الصلاة والسلام اذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه وكما قال تعالى فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد كالذى يعارض بين آيات القرآن وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فان ذلك يوقع الشك فى قلوبهم ومع ابتغاء الفتنة ابتغاء تأويله الذى لا يعلمه الا الله فكان مقصودهم مذموما ومطلوبهم متعذرا مثل أغلوطات المسائل التى نهى رسول الله عنها
ومما يبين الفرق بين المعنى و التأويل أن صبيغا سأل عمر عن الذاريات وليست من الصفات وقد تكلم الصحابة فى تفسيرها مثل على بن أبى طالب مع ابن الكواء لما سأله عنها كره سؤاله لما رآه من قصده لكن على كانت رعيته ملتوية عليه لم يكن مطاعا فيهم طاعة عمر حتى يؤدبه و الذاريات و الحاملات و الجاريات و المقسمات فيها اشتباه لأن اللفظ يحتمل الرياح والسحاب والنجوم والملائكة ويحتمل غير ذلك اذ ليس فى اللفظ ذكر الموصوف والتأويل الذى لا يعلمه الا الله هو أعيان الرياح ومقاديرها وصفاتها ومتى تهب وأعيان السحاب وما تحمله من الأمطار ومتى ينزل المطر وكذلك فى الجاريات و المقسمات فهذا لا يعلمه الا الله
وكذلك فى قوله إنا و نحن ونحوهما من أسماء الله التى فيها معنى الجمع كما اتبعه النصارى فان معناه معلوم وهو الله سبحانه لكن اسم الجمع يدل على تعدد المعانى بمنزلة الأسماء المتعددة مثل العليم والقدير والسميع والبصير فإن
المسمى واحد ومعانى الأسماء متعددة فهكذا الاسم الذى لفظه الجمع وأما التأويل الذى اختص الله به فحقيقة ذاته وصفاته كما قال مالك والكيف مجهول فاذا قالوا ما حقيقة علمه وقدرته وسمعه وبصره قيل هذا هو التأويل الذى لا يعلمه الا الله
وما أحسن ما يعاد التأويل الى القرآن كله فان قيل فقد قال النبى لابن عباس اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل قيل أما تأويل الأمر والنهى فذاك يعلمه واللام هنا للتأويل المعهود لم يقل تأويل كل القرآن فالتأويل المنفى هو تأويل الاخبار التى لا يعلم حقيقة مخبرها الا الله والتأويل المعلوم هو الأمر الذى يعلم العباد تأويله وهذا كقوله هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله وقوله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله فان المراد تأويل الخبر الذى أخبر فيه عن المستقبل فانه هو الذى ينتظر ويأتى و لما يأتهم وأما تأويل الأمر والنهى فذاك فى الأمر وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى ان أدخل فى التأويل لا ينتظر والله سبحانه أعلم وبه التوفيق
تحير النفاة وتناقضهم
درء التعارض [جزء 3 - صفحة 95]
وتجد هؤلاء حائرين في مثل قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7] حيث ظنوا أن المراد بالتأويل: صرف النصوص عن مقتضاها
وطائفة تقول إن الراسخين في العلم يعلمون هذا التأويل وهؤلاء يجوزون مثل هذه التأويلات التي هي تأويلات الجهمية النفاة
ومنهم من يوجبها تارة ويجوزها تارة وقد يحرمونها على بعض الناس أو في بعض الأحوال لعارض حتى أن الملاحدة من المتفلسفة والمتصوفة وأمثالهم قد يحرمون التأويلات لا لأجل الإيمان والتصديق بمضمونها بل لعلمهم بأنه ليس لها قانون مستقيم وفي إظهارها إفساد الخلق فيرون الإمساك عن ذلك لمصلحة وإن كان حقا في نفسه
¥