تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذات الله إلا تفرقا عن تَقَالٍ (بغضاء)، وقال الخليل عليه السلام:] إِنَّمَا اتَّخَذْتُم

مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ

وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ [(العنكبوت: 25).

وهؤلاء لا يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضاً لمجرد كونه عصى الله، بل

لما حصل له بمشاركته ومعاونته من الضرر» [20].

ومما قاله ابن القيم في هذا المقام: «كل من اتخذ من دون الله ورسوله وليجة

وأولياء، يوالي لهم ويعادي لهم، ويرضى لهم ويغضب لهم، فإن أعماله كلها باطلة

يراها يوم القيامة حسرات عليه مع كثرتها وشدة تعبه فيها ونصبه؛ إذ لم يجرد

موالاته ومعاداته، ومحبته، وبغضه، وانتصاره وإيثاره لله ورسوله؛ فأبطل الله

عز وجل ذلك العمل كله، وقطع تلك الأسباب، فينقطع يوم القيامة كل سبب وصلة

ووسيلة ومودة وموالاة كانت لغير الله تعالى» [21].

ونختم هذه المقالة بالجواب عما يظنه بعضهم أن تحقيق الولاء والبراء قد

يؤدي إلى نفور الكفار عن الإسلام؛ وليس الأمر كذلك؛ فإن الله تعالى هو أرحم

الراحمين، وهو سبحانه أحكم الحاكمين؛ حيث شرع بغض الكفار وعداوتهم] أَلاَ

يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ [(الملك: 14)، فلا يتوهم أن تحقيق شعيرة

البراءة من الكافرين يؤول إلى مجانبة الإسلام، بل إن الالتزام بهذه الشعيرة وسائر

شرائع الإسلام سبب في ظهور الإسلام وقبوله، كما وقع في القرون المفضلة، ومن

ذلك أن اليهود خافت وذلت من يوم قتل رئيسهم كعب بن الأشرف على يد محمد بن

مسلمة رضي الله عنه [22].

ويقول ابن تيمية: «وكان عدد من المشركين يكفُّون عن أشياء مما يؤذي

المسلمين خشية هجاء حسان بن ثابت؛ حتى إن كعب بن الأشرف لما ذهب إلى

مكة كان كلما نزل عند أهل بيت هجاهم حسان بقصيدة، فيخرجونه من عندهم،

حتى لم يبق بمكة من يؤويه» [23].

وجاء في سيرة ابن هشام: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من

ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» [24]، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سُنَيْنَة

رجل من تجار اليهود يبايعهم فقتله، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يُسلم،

وكان أسنّ من محيصة، فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله!

أقتلته؟ أما والله لربّ شحم في بطنك من ماله، قال محيصة: والله! لقد أمرني

بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك، قال: فوالله إن كان لأول إسلام حويصة،

قال: آلله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني؟ قال: نعم! والله لو أمرني بضرب

عنقك لضربتها، قال: والله إن ديناً بلغ بك هذا لعجب. فأسلم حويصة» [25].

وها هم الكثير من بني جلدتنا قد ارتموا في أحضان الكفار، وتنازلوا عن

دينهم مداهنة لأعداء الله تعالى؛ فما زاد الكفار إلا عتواً ونفوراً عن الإسلام،

واستخفافاً وامتهاناً للمنتسبين له.

ولما عمد علماء السوء إلى تحليل ما حرم الله تعالى بأدنى الحيل كان ذلك

سبباً في الصدّ عن دين الله تعالى، وامتناع الكثيرين من الدخول فيه، كما بينه ابن

القيم رحمه الله [26].

بل إن المشركين، وأهل الكتاب إذا رأوا المسلم القائم بالإسلام عظموه وأكرموه [27].

يقول ابن تيمية: «مثل الآصار والأغلال التي على أهل الكتاب وإذلال

المسلمين لهم، وأخذ الجزية منهم، فهذا قد يكون داعياً له أن ينظر في اعتقاده:

هل هو حق أو باطل؟ حتى يتبين له الحق، وقد يكون مرغباً له في اعتقاد يخرج

به من هذا البلاء، وكذلك قهر المسلمين عدوهم بالأسر يدعوهم للنظر في محاسن

الإسلام» [28].


(1) القول السديد، ص 110، 111.

(2) قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن هذه الآية الكريمة: «[إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً]

(النحل: 120) لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين،ٍٍ [قَانِتاً لِّلَّهِ] (النحل: 120) لا للملوك

ولا للتجار المترفين، [حَنِيفًا] (النحل: 120) لا يميل يميناً ولا شمالاً كفعل العلماء المفتونين، [وَلَمْ

يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ] (النحل: 120) خلافاً لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين»، مجموعة

مؤلفات الشيخ ابن عبد الوهاب، 4/ 237.

(3) أخرجه البخاري، رقم 1987، ومسلم، رقم 741، 783.

(4) أخرجه مسلم، رقم 1017.

(5) صحيح مسلم بشرح النووي، 7/ 103.

(6) انظر: زاد المعاد، 1/ 134، 2/ 299.

(7) انظر: زاد المعاد، 2/ 301.

(8) انظر: السيرة لابن هشام، 2/ 104، طبقات ابن سعد، 2/ 43، وتاريخ الطبري، 2/ 500.

(9) أخرجه أحمد، 4/ 286، و الحاكم في المستدرك، 2/ 480، وحسّنه الألباني في الصحيحة،

ح/ 1728.

(10) قاعدة في المحبة، ص 387، وانظر: الفتاوى، 14/ 280.

(11) الدرر السنية، 2/ 157.

(12) الفتاوى السعدية، 98.

(13) انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 18/ 272.

(14) شرح الأصفهانية، ص 144.

(15) مجموع الفتاوى، 28/ 208، 209.

(16) أخرجه البخاري، ح/ 6780 والمعنى: أن الذي أعلمه أنه يحب الله ورسوله.

(17) طبقات الحنابلة، 1/ 57.

(18) مجموع الفتاوى، 10/ 609، 610.

(19) أخرجه ابن المبارك في الزهد، 353.

(20) مجموع الفتاوى، 15/ 128.

(21) الرسالة التبوكية، ص 66.

(22) انظر: الصارم المسلول، 2/ 152.

(23) انظر: الصارم المسلول، 2/ 39.

(24) أخرجه أبو داود، كتاب الإمارة.

(25) سيرة ابن هشام، 2/ 821.

(26) انظر: أعلام الموقعين، 3/ 41.

(27) مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 18/ 293.

(28) جامع الرسائل، 3/ 238.

((مجلة البيان ـ العدد [169] صـ 33 رمضان 1422 ـ ديسمبر 2001))

د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

http://www.islamlight.net/index.php?option=*******&task=view&id=3175
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير